| |
حقيقة الخلاف بين الرؤية والحساب الفلكي محمد الروضان الشايعي - باحث فلكي ومشرف تربوي - الرياض
|
|
في كل عام تتردد على ألسنة الكثيرين وتنشر عبر وسائل الإعلام المختلفة من تلفزة وإذاعة وصحافة وانترنت وغيرها أقوال وتحليلات ومناقشات حول رؤية هلال رمضان وشوال وذي الحجة، معظم هذه الأقوال تصدر من أشخاص ليسوا من أهل الاختصاص. وإنني أحب أن أوضح للقارئ الكريم حقيقة الخلاف بين الرؤية البصرية الشرعية للهلال، وبين الحساب والرصد الفلكي بصفتي باحثا فلكيا ومشرفا للتربية الإسلامية فأقول: أولاً - الحسابات الفلكية: الحساب الفلكي عبارة عن معادلات رياضية بنيت وفق أسس وقوانين فيزيائية لحساب وقياس حركة الأجرام السماوية، كانت هذه المعادلات في الزمن السابق تجرى وتنفذ يدويا وذهنيا، ثم تقارن نتائجها بالواقع الفعلي عن طريق المشاهدة والرصد البصري بالعين المجردة أو المناظير المقربة، ومع تقدم العلم الطبيعي وظهور التقنية طورت تلك المعادلات ووضعت على هيئة برامج حاسوبية قسمت إلى تخصصات محددة، فمنها برامج تختص بحساب الخسوف والكسوف، وبرامج تختص بحساب حركة كوكب المشتري وأقماره مثلاً، وبرامج تختص بحساب شروق الشمس والقمر وغيرذلك من البرامج المتخصصة ولكل برنامج معادلاته ومعاييره الخاصة به. وأما المراصد الفلكية فهي عبارة عن مناظير وتلسكوبات مقربة ومكبرة للأجرام السماوية يستعان بها للتأكد من دقة وصحة الحسابات الفلكية ونتائجها. ثانيا - رؤية الهلال: ربط الشارع الحكيم أحكام الصيام والفطر والحج برؤية الهلال ففي الحديث الصحيح عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غمّ عليكم فأكملوا العدة) والمقصود الرؤية البصرية سواء بالعين المجردة أو بالمناظير المقربة، وهذا هو المعمول به لدى مجلس القضاء الأعلى في المملكة، ولهذا شكلت لجان تطوعية لترائي الهلال في أماكن متفرقة يخرج مع هذه اللجان كل من له اهتمام برؤية الهلال والاحتساب في ذلك، وتجتمع اللجنة في مكان مناسب للترائي في الأيام مظنة رؤية الهلال، وذلك قبل غروب الشمس حتى ما بعد صلاة المغرب وكتابة محضر الاجتماع. وقد وضع الفلكيون معايير وحدودا لإمكانية رؤية الهلال من عدمها تتعلق بعمر الهلال ومكثه وارتفاعه، وذلك في حال وجوده في الأفق بعد غروب الشمس. لكن هذه المعايير انخرمت وثبت بطلانها بمرأى ومسمع عدد من الشهود وطلبة العلم والمتخصصين في الفلك، فقد رؤي الهلال في سنوات ماضية ولعدة أشهر وهو أقل مما حدّده الفلكيون في العمر والمكث والارتفاع، حيث أمكنت رؤيته وارتفاعه 1.18 درجة علماً أن المعيار ينص على عدم إمكانية رؤية هلال يقل ارتفاعه عن 7.6 درجة لا بالعين المجردة ولا بواسطة المرقاب!! وأقرب مثال لذلك هلال رمضان العام الماضي 1426هـ حيث كان ارتفاعه بتقدير الفلكيين أقل من درجة واحدة (يمكث دقيقتين بعد غروب الشمس!!) ومع ذلك رؤي الهلال مرتفعاً حوالي درجة ونصف، وصام المسلمون وسكت الجميع وقتها. الخلاف أسبابه وعلاجه إذا علم هذا فما الذي حصل في هلال رمضان هذا العام 1427هـ، وما سبب الخلاف وكيف نقضي عليه؟ هناك أمور لو استطعنا التغلب عليها وتصحيحها لانتهى الخلاف وسارت الأمور طبيعية. الأمر الأول: الإصرار والثقة الزائدة بنتائج الحسابات الفلكية، ودعني أخي القارئ الكريم بعد أن ذكرت في البداية مفهوم هذه البرامج والحسابات الفلكية وأنواعها أبين لك أن البرامج الفلكية المختصة بحساب وقياس حركة الأجرام السماوية ودورانها الظاهر والمقدّر ومرور جرم أمام جرم آخر كمرور كوكبي عطارد والزهرة أمام الشمس وكحالتي الخسوف والكسوف، هذه البرامج نتائجها في غاية الدقة وكشفت لنا عن بديع صنع الله الذي أتقن كل شيء، وأما البرامج المختصة في حساب شروق وغروب الأجرام السماوية وخاصة الشمس والقمر وأوقات الصلوات فتجد بينها تفاوتاً واختلافاً يصل إلى خمس دقائق أو أكثر أحيانا، وهذا يؤثر بدوره في سبق الشمس أو القمر في الغروب آخر الشهر، ومن الأمثلة على ذلك هلال رمضان العام الماضي 1426هـ كلنا شاهد اقتران الشمس والقمر (ظاهرة الكسوف) وقد وقعت ظهراً في الوقت المحسوب لها فكلياً وبدقة متناهية، وأما غروب كل من الشمس والقمر ذلك اليوم فتفيد الحسابات الفلكية أن الهلال سيغرب بعد الشمس بدقيقتين فقط، ومن شاهد الهلال بعد غروب الشمس وهم كثر ثقات وأمناء- إن شاء الله- أفادوا بمكث الهلال في الأفق بعد غروب الشمس أكثر من سبع دقائق أي أن فارق غروب القمر بين الحساب الفلكي والواقع الفعلي خمس دقائق، ويلاحظ كثيراً الفارق بين شروق وغروب الشمس الفعلي وبين الحساب، ولك أخي القارئ أن تجرب ذلك بنفسك كالتالي: 1. اختر يوماً من أول الشهر وليكن الخامس أو السادس لوضوح الهلال فيها وسهولة مراقبته عند الغروب. 2. اذهب إلى مكان خارج البنيان يكون الأفق فيه ممتداً دون عوائق وحدد خطوط الطول والعرض لهذا المكان بواسطة أجهزة GPS لتحديد المواقع. 3. اطلب ممن لديه برنامج فلكي أن يحسب لك وقت غروب القمر والشمس في اليوم المحدد وفق إحداثيات ذلك المكان. 4. راقب غروب الشمس ثم غروب القمر في المكان واليوم المحددين ولاحظ الفرق بين الحساب والغروب الفعلي المشاهد. الأمر الثاني: إن المتعارف عليه متى تم اقتران الشمس والقمر قبل غروب الشمس صار للشمس السبق في الغروب وللقمر مكث بعدها، لكن بعض الفلكيين يقول: إن اقتران القمر لشهر رمضان هذا العام 1427هـ نادر من الناحية الفلكية، فعلى الرغم من حدوث الاقتران قبل غروب الشمس يوم الجمعة التاسع والعشرين من شهر شعبان إلا أن القمر في مساء ذلك اليوم سيغيب قبل غروب الشمس في معظم الدول الإسلامية خلافا لما هو متعارف عليه. لماذا لا تكون هذه النادرة - والكلام للفلكيين المسلمين - مؤشراً لوجود خطأ وخلل في حساب شروق وغروب الشمس والقمر، وسبباً في حدوث هذا الخلاف القائم بين الرؤية الشرعية والحسابات الفلكية؟ ولماذا نرد الشهادة المثبتة شرعاً لعدد من الشهود الثقات - تجاوز عددهم العشرة - بسبب نادرة فلكية ونحن مجمعون على حدوث الاقتران وولادة الهلال قبل غروب شمس يوم الجمعة؟! لا سيما أنه لا يستطيع أحد - كما أعلم - أن يثبت في الواقع الفعلي أن القمر غاب في الأفق قبل غروب الشمس لا بالعين المجردة ولا بالمراصد الفلكية والمناظير المقربة.. لقد تعبنا من الكلام عن يمكن ولا يمكن فلكياً، ومن صدور قرارات مبنية على الحساب المجرد، لماذا عجز أصحاب المراصد الفلكية عن رصد غروب القمر قبل الشمس ليكون قرارهم وشهادتهم عن حقيقة؟! ليعلم الجميع: أن عدم العلم ليس علماً بالعدم، فإذا لم يستطيعوا رؤية القمر يغرب قبل الشمس، فلماذا يحجرون على غيرهم أن يروه هلالاً بعد غروب الشمس؟ ولماذا لا تكون الرؤية الشرعية أثبتت بطلان تلك النادرة الفلكية المشار إليها؟! لاسيما وأن ذلك تكرر في سنوات ماضية، وسيتكرر في سنوات لاحقة أولها هلال ذي الحجة لهذا العام 1427هـ وفي هلال عيد الفطر وربما رمضان من العام القادم 1428هـ وفي هلال المحرم ورمضان من عام 1429هـ، ولا أخفيك سراً أن العلاج ووضع حد لهذا الخلاف بيد الفلكيين أنفسهم وخاصة اللجنة المكلفة بتقويم أم القرى، ولعل فضيلة الشيخ عبدالله المنيع وفقه الله - بحكم عضويته في تلك اللجنة - فهم مقصودي. أرجو أن أكون قد وفقت في بيان الحقيقة سائلاً المولى أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه..
Flki1427@hotmail.com |
|
|
| |
|