| |
رياض الفكر الصحافة بين الخصوصية والانتهازية سلمان بن محمد العُمري
|
|
من المبادئ الأساسية في ميثاق الشرف الإعلامي بوجه عام والصحافة بوجه خاص، أن يلتزم الصحافيون باحترام حق الأفراد والجماعات بالخصوصية والكرامة، ويمتنعوا عن نشر الفضائح الشخصية أو العائلية التي تهدف إلى إضعاف العلاقات الأسرية والمجتمع. ذلك أن رسالة الصحافة عظيمة ولا يمكن تعريضها للانتهازية والإهانة وتشويه السمعة، إن رسالة الصحافة تقتضي عدم الإساءة للشعوب والأمم كافة أو التهكم بآدابها أو معتقداتها أو أعرافها أو تقاليدها، وألا تستهدف المواد الصحافية المنشورة إثارة النعرات الطائفية والقبلية، أو الإساءة للشخصيات العامة أو الشعبية أو الدينية أيا كانت أو تحويل الموقع لنشر التفاهات والمهاترات غير المقبولة ضد الآخرين، كما أن من ميثاقهم الالتزام فيما ينشره بمقتضيات الشرف والأمانة والصدق بما يحفظ للمجتمع مثله وقيمه وبما لا ينتهك الحقوق. أسوق هذه المقدمة وأنا متعجب مما نشر في مطبوعة سعودية تصدر خارج المملكة، أساءت للمجتمع السعودي بوجه عام، ولمنطقة من المناطق العزيزة في بلادنا بوجه خاص، وللمرأة السعودية، فانطبق عليها قول الشاعر: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند لقد خرجت هذه المطبوعة بمادة خارجة عن حدود اللياقة الأدبية وميثاق الشرف بعرض مادة (مصطنعة) وغير واقعية عن التعدد، ولكن بأسلوب ساخر فيه تهكم بالرجل السعودي ووصف له بالشهوانية البهيمية والضحك بماله على الناس لإرضاء شهواته ونزواته، ويقيني أن المادة من أساسها غير صحيحة بدليل أن الكاتب لم يذكر اسمه على التحقيق ثم جرت العادة أن تقوم هذه المطبوعة بتصوير الشخص الذي تم إجراء الحوار معه أو أن تدعم هذا التحقيق بالصور وهي التي تغلب صورها على المادة المكتوبة، ولكن كل ذلك لم يتم مما يجعلنا نشكك في أصل المادة ثم نفترض دواعي هذه الإساءة والتهكم بأنه لا يتعدى أمرين: أولهما الإساءة لمجتمعنا وأتمنى ألا أكون مصيباً في ذلك أو الفقر الصحافي والإفلاس ومداراته باللجوء للإثارة التي تنتهجها الصحافة الصفراء في عرض القضايا المثيرة للشهوات والفضول التي لا تحمل في طياتها سوى الهدم وتدمير القيم النبيلة، مع أن بعض المطبوعات الصفراء لا تلجأ للكذب وتجتهد في الظهور بالمصداقية في نشر فضائح ووقائع حقيقية مدعمة بالأسماء والصور. لقد كنا نتمنى أن تكون الصحافة السعودية في الخارج مصدراً من مصادر التعريف بالنهضة والتطور والتنمية الشاملة التي تعيشها المملكة العربية السعودية لا أن تكون وسيلة من وسائل التشويش وإساءة السمعة لهذا البلد المعطاء المبارك، والافتراء على أفراد المجتمع، واحتقار قيمه ومثله، في مقابل تمجيد الآخرين والإشادة بقيمهم، وإن كانت سافلة، وكم أتمنى أن يدرك بعض القائمين على الصحف أنهم حينما يسيئون لفئة، أو منطقة في هذا البلد، فإن الصورة الذهنية لدى القارئ العربي ستنسحب على المجتمع السعودي بوجه عام. إننا لا ندعي الكمال وعدم وجود الظواهر السلبية، لكننا نرفض أن يتم التعميم والنشر بما يصور الخطيئة والسلبية على أنها سمة من سمات مجتمع أو منطقة بعينها، مهما كانت هذه المنطقة حتى وإن كانت لغير بلادنا، كما أننا نتقزز من أسلوب الطرح المسف الذي ينحدر بالعقل العربي إلى هوة سحيقة ويدمر الذائقة الأدبية لدى القارئ. إن بإمكان هذه المطبوعة - لو أرادت - أن تكون بانية نافعة من خلال الارتقاء بطرحها ولغتها ومصداقيتها، ولكنها تأبى إلا أن تحتك بكل ما له صلة بالدين أو القيم الاجتماعية السائدة، لا بقصد الإصلاح، ولكن بقصد التجني، ونشر العيوب والمثالب، وإلا فنحن ندرك أن في كل مجتمع وكل فئة وكل طائفة بل وكل أهل فن ومهنة فضائح وعيوب، وسلوكيات بغيضة تزكم رائحتها الأنوف، لكنها تحجب وتدمدم، بل ينشر عن الشخصيات التي تمارسها ما يلمع صورتها، ويظهرها أمام الرأي العام بالنزاهة والأمانة والاستقامة، إمعاناً في الإضلال، والتغرير لا لشيء، إلا لأن أهلها ليسوا من ذوي الديانة. إن أي قارئ متجرد من الانحيازية، سيدرك أن هذا اللقاء المفبرك، حلقة من حلقات تشويه التعدد الذي شرعه الله في كتابه، وتشويه مسيرة العفاف والحشمة التي تحياها المرأة في هذا البلد الكريم بوجه عام، وليس هدف اللقاء نقد التصرفات الخاطئة لبعض المستغلين له، وإلا فعلى الطرف الآخر هناك ممارسات للشذوذ، وحالات الاغتصاب، والفجور الجماعي، مع كثرتها - للأسف - إلا أنها لا تجد من يتناولها بالنقد والفضح، بل ربما رأينا من يصورها لنا على أنها من مقتضيات الحضارة المعاصرة، وأنها أحد جوانب التمتع بالحرية التي تكفلها له القوانين الوضعية. إن هذا التحقيق المزعوم يسيء للمرأة السعودية، حين يصفها بالقبح، وإهمال الزينة، وهو يلمزها في حجابها وعفافها، إذ يريدها أن تكون راقصة ماجنة عارضة أزياء، تعرض مفاتنها على الملأ، وإلا فستبقى - في حكمه - متخلفة قبيحة غير مغرية للأزواج، وتحضرني قصة لإحدى السعوديات، سافرت مع زوجها إلى مؤتمر خارجي، كانت بكامل حشمتها، وحجابها يغطيها بالكامل، فتعالت أصوات نسوة حاضرات يلمزنها بأنها إنما لبست هذا الحجاب لتخفي قبحها، فما كان منها إلا أن دعتهن إلى مكان بعيد عن أعين الرجال، ثم كشفت عن وجهها فبهرهم جمالها وأدبها، فأقررن لها بالأفضلية خَلْقاً وخُلقاً، وشكلاً ومضموناً، وما تردده هذه المطبوعة إنما هو أسلوب قديم عفا عليه الزمن، ولم يعد مجدياً، والقراء لهم أعين وآذان وعقول يستطيعون التمييز بين الغث والسمين. لقد تعودنا الإساءة لمجتمعنا وبلادنا من بعض المطبوعات الصحافية الرخيصة الصادرة باللغة العربية في الخارج وبعض القنوات الفضائية (الفضائحية)، ولكنا نستكثر حينما نجد الظلم يقع علينا من أبنائنا وبأموالنا.
alomari1420@yahoo.com |
|
|
| |
|