| |
عِقد الأعمال الإنسانية فضل البوعينين
|
|
عندما يتغلغل الإنسان في أعماق المجتمع، وينفذ إلى أحيائه النائية، وقراه وضواحيه البعيدة فإنه يصطدم بواقع مؤلم، يدمي القلوب، ويدمع العيون، إنه واقع الفقراء الذين أضناهم التعب، وأعيتهم الحاجة فأصبحوا يعيشون تحت خط الفقر لا يجدون ما يأكلون، يفترشون الأرض الجرداء، ويلتحفون السماء وكأنهم ينتمون إلى عالم آخر غير عالمنا الذي نعرف. لسنوات مضت، لم تجد مشكلة الفقر، على الرغم من أهميتها، من يبرزها للعلن بصورتها المأساوية المؤلمة، ولا من يتصدى للقضاء عليها ضمن استراتيجية شاملة، بل إنها، وللأسف الشديد، أصبحت تتوارى على استحياء بعيدة عن المجتمع، وجامعي التبرعات للشعوب الخارجية، وعن التقارير الصحفية المتخصصة التي لم تجد ضالتها في هذه المشكلة الاجتماعية الحساسة فتجاوزتها إلى ما سواها من قشور الحياة، واهتمامات العصر. أما الوزراء والمسؤولون عن الشؤون الاجتماعية فلعلهم لم يعلموا بحجم المشكلة واتساع نطاقها، وتغلغلها في كثير من مناطق المملكة؛ ما جعلهم عاجزين عن رسم التصور الحقيقي لمشكلة الفقر. مشكلة الوزراء والمسؤولين أنهم يتعاملون مباشرة مع طبقة الأغنياء، ومن هم على شاكلتهم، وإذا ما قرروا الذهاب إلى المناطق النائية فإنهم يقابلون بالاحتفالات الباذخة التي تخفي خلفها مآسي المواطنين، صور مزيفة أضرت بالفقراء والمساكين، وساعدت كثيرا في تفاقم المشكلة. فجأة، ودون مقدمات، أعلن الملك عبدالله بن عبدالعزيز (ولي العهد آن ذاك) عن فداحة المشكلة وأظهر إلى الملأ أجمع واحدة من أعظم المشاكل الاجتماعية على الإطلاق، المشكلة التي تبرأ منها الجميع، وأنكر وجودها بعض المسؤولين، فأثبت وجودها الملك الإنسان الذي لم يقبل خذلان شعبه، أو تجاهل المساكين الذين يحبهم الله سبحانه وتعالى، وعباده المؤمنون. زيارة الملك عبدالله للأحياء الفقيرة أبرزت المشكلة، ولوت لها أعناق رجال الإعلام، وبثت روح الحماسة في المتقاعسين عن خدمة الفقراء والمحتاجين، بدأت بعض المؤسسات الاجتماعية تلمس احتياجات الفقراء والمساكين وكأنها لم تعلم بوجودهم إلا بعد الزيارة الملكية الكريمة، جهود مميزة بذلت من أجل تقديم المساعدات، وحصر الاحتياجات بتوجيهات ملكية كريمة، وجهود أخرى تكفل بها بعض أهل الفضل والخير من أبناء هذه الأرض الطيبة، إلا أنها لم تكن كافية لاجتثاث مشكلة الفقر من جذورها، فالمشكلة أعمق مما يتصور الجميع. الملك الإنسان الذي أبرز مشكلة الفقر للمجتمع وللعالم بأسره من خلال وسائل الإعلام عاد من جديد ليصدر قراراته الحاسمة وليضع استراتيجية خاصة لمعالجتها على أسس علمية مدعمة بالميزانيات الخاصة. إقرار مجلس الوزراء الموقر لاستراتيجية معالجة الفقر التي تعتمد على برنامج الدعم التكميلي لسد الفجوة بين الدخل الفعلي للأسر والأفراد وخط الفقر، وبرنامج المساعدات الطارئة للأسر الفقيرة التي تتعرض لحالات طارئة، إنما يهدف إلى معالجة المشكلة ووضع حد لها بعد أن بدأت في الازدياد الملحوظ خلال السنوات العشر الأخيرة، ثم تفاقمت كثيراً بعد انهيار سوق الأسهم وما نتج عنه من تقلص الطبقة الوسطى، وتحمل كثير من المواطنين لديون بنكية طويلة الأجل. إضافة إلى ذلك، فإن من أهداف الاستراتيجية الجديدة حث الموسرين، من رجال المال والأعمال والشركات؛ للمساهمة في دعم جهود الدولة المباركة لمعالجة مشكلة الفقر، من خلال التبرعات، وتأسيس الجمعيات الخيرية، وبناء المجمعات السكنية للفقراء والمساكين، وإحياء نظام الوقف الإسلامي الذي لم يعد كما كان سابقا. بقي أن أقول إن استراتيجية معالجة الفقر لا يمكن لها أن تحقق النجاح التام ما لم تتوفر لها البيانات الرسمية الدقيقة خصوصا فيما يتعلق بالمجتمعات والأسر والأفراد الذين يمثلون الهدف الرئيس لبرامج الدعم والعلاج، وهو ما يجعلها أكثر حاجة إلى دعم أمراء المناطق، والمحافظين ومديري المراكز، ومسؤولي الجمعيات الخيرية في حصر الفقراء والمحتاجين وتسجيلهم ضمن القوائم الرسمية التي يفترض أن تكون أساسا للمعونات الاجتماعية مستقبلا بالإضافة إلى توفير الهواتف المجانية ومكاتب التسجيل لتلقي طلبات التسجيل المباشرة. تفعيل القرارات، وإنفاذ خطط الاستراتيجيات هو المعيار الحقيقي للنجاح، وهو الذي يمكن أن يحول الخطط إلى واقع محسوس وهو الدور الأساسي الذي يفترض أن تقوم به الجهات المسؤولة عن تنفيذ الاستراتيجية بعد أن تمت الموافقة عليها من مجلس الوزراء الموقر، وهي: وزارة الشؤون الاجتماعية، المؤسسات الحكومية ذات العلاقة، الهيئات الاجتماعية، الجمعيات الخيرية، وباقي القائمين على استراتيجية معالجة الفقر. جزى الله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز خير الجزاء على هذه الأعمال الإنسانية التي أصبحت كالدرر التي سيتشكل منها، بإذن الله، عِقد الأعمال الإنسانية الجليلة ليبقى شاهدا على إنسانية الملك.
|
|
|
| |
|