| |
الحبر الأخضر عيدكم مبارك أ. د. عثمان بن صالح العامر
|
|
آه.. انتهى شهر رمضان الكريم، وتصارمت أيامه المباركة، وانقضت لياليه المشهودة كلمح البصر أو هي أقرب، وهكذا العمر سرعان ما ينتهي وإن طال.. والعاقل المدرك لمصائر الأمور المؤمن بقضاء الله وقدره من عمر ساعته التي هو فيها بما يضمن له النجاة يوم الوقوف بين يدي الله، فالإرجاء والتسويف لن يعودا على أي منا بخير، والحاضر المعاش الماثل بين يديك ونفسك التي بين جنبيك والظروف الباسمة أو الكالحة التي تلتف حواليك هي وحدها الدعائم التي يتمخض عنه مستقبلك القريب والبعيد، ولذا لا مكان لإبطاء أو انتظار، ولا محل لتسويف أو إهمال، فالموت يأتي بغتة.. والقبر صندوق العمل. والمتأمل في حال المسلمين في شهر الصيام هذا يمكن القول إنهم جميعاً التحقوا بدورة تدريبية يجب عليهم سنوياً أن ينتظموا فيها ذكورهم وإناثهم إلا لعذر شرعي، فصل القول فيه العلماء وبينته كتب الشريعة السمحاء.. الهدف من هذه الدورة السنوية الإجبارية إضافة إلى ما نعرفه جميعاً من التعبد الصادق لله عز وجل وامتثال أمره القاطع الوارد في كتابه الكريم وعلى لسان رسوله محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم: - أولاً: التدريب على إدارة الوقت والالتزام بالمواعيد وبصورة جماعية. - ثانياً: بناء الشخصية القادرة على التغيير الذاتي متى ما شعرت بأهميته. - ثالثاً: ترويض النفس على الصبر والمراغمة. - رابعاً: تنمية مهارة التفكير والتدبر والتمعن في آيات الله المرئية والمقروءة. - خامساً: تنمية مهارة العلاقات الإنسانية في المجتمع الإنساني المحيط بكل منا وتقوية وشائج الإخاء بين طبقات المجتمع المختلفة، (فإن سابك أحد أو شاتمك فقل إني صائم...) علاوة على ما يتولد من إحساس أهل الدثور والمال يوم صومهم بما يعيشه الفقراء والمساكين ممن هم من بين جلدتهم ويقطنون ديارهم بل ربما كانوا جيراننا لهم أو أقرباء وذوي رحم. - سادساً : تنمية الرقابة الذاتية عند المسلم.. وغير ذلك كثير، والتفصيل في الحديث عن هذه الأهداف الهامة في حياتنا الذاتية والعملية يطول، وهي جميعاً، أهداف تضعها المؤسسات التدريبية ضمن أولويات أجندتها التي تسوق نفسها بها في القطاعين العام والخاص.. ولقد شرع الله عز وجل في نهاية هذه الدورة حفلاً ختامياً في يوم سماها الإسلام عيداً فيه توزع المنح الربانية لهذه الدورة التي حضرها الجميع واختلفت تقاديرهم ومراتبهم حسب أعمالهم وإخلاصهم ومتابعتهم للنهج النبوي في الصيام والقيام والأعمال التطوعية الأخرى التي قاموا بها وتسابقوا من أجل نيل أجرها من الله عز وجل خلال أيام وليالي هذا الشهر المبارك.. وعلى هذا فالعيد في حقيقته إعلان جماعي لانتصار الإرادة الذاتية في هذا الشهر المبارك.. إنه شعيرة من شعائر الإسلام العظام ومظهر من أجل مظاهره {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}.. وهذه المناسبة العزيزة على النفوس المحببة لبني الإنسان الصغار قبل الكبار لها عند العلماء والمفكرين أهل الاختصاص أسس ثلاثة تقوم عليها ولا يمكن غض الطرف عن أي منها أو التقليل من شأنه.. أولها: الأساس الروحاني المتمثل ببعض الشعائر التعبدية المرتبطة بهذه المناسبة.. وثانيها: الأساس النفسي الذاتي والذي يتحقق إشباعه في هذه المناسبة بالذات باللعب والتجمل والفرح معا.. أما الأساس الثالث والأخير: فهو المعنى الاجتماعي الذي به تتوحد المشاعر كما توحدت الشعائر، يلتقي الجميع على الود والمحبة والوفاء، يبادل بعضهم بعضاً المعايدة والتهنئة بهذه المناسبة.. وقد سبق وأن كتبت عن هذه الأسس الثلاثة بالتفصيل في هذه الزاوية في مناسبة عيد الفطر المبارك العام قبل الماضي.. أبارك للجميع الأهل وذوي الأرحام والأصدقاء والزملاء والقراء الكرام وكل من بعث لي رسالة في الجوال أو شرفت بسمع صوته مباركاً بالعيد، أبارك لهم هذه المناسبة السعيدة وأقول للجميع: كلُّ عامٍ وأنتم بخير.. أبارك لرجال الوطن وقادته وولاة أمرنا وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز - حفظهم الله ورعاهم - أبارك لهم هذه المناسبة (حلول عيد الفطر المبارك).. وأسأل الله أن يجعل عيدنا سعيداً، وأن يعيده علينا ونحن نرفل بثوب الأمن والأمان.. وكل عام وأنتم بخير.. ويبقى السؤال معلقاً برقبة كل منا: ماذا بقي من فوائد هذه الدورة التدريبية في هذا الشهر المبارك، وما أثرها على حياتنا العملية؟.. وكلٌّ منا يجيب عن نفسه، ولكن جزماً الجواب الذي يتواخاه المجتمع ما نراه في حياتنا العملية لا ما نسمعه!!
|
|
|
| |
|