أطلّ فما أبهى سناه وما أحلى! |
وحل فماست روح مشتاقه جذلى |
هو العيد يهفو القلب نحو قدومه |
ليغمر بالسعد الروابي والسهلا |
يتوّج شهر الصوم نعمى ورحمة |
هما الهدف المنشود والغاية المثلى |
وللعيد في الفيحاء طعم ولذة |
رضعتهما طفلاً وذقتهما كهلا |
عروسٌ محيّاها تملّك مهجتي |
وأثمل قلبي سحر مقلتها النجلا |
أقبّل في أرجائها مرتع الصبا |
وفي حضنها ألقى الأحبة والأهلا |
بتاريخها إلا وكانت هي أصلا |
ولا خطرت في ساحة المجد تزدهي |
بحلتها إلا زكا فعلها نُبلا |
تولّت يد الرحمن تصوير حسنها |
فأضحت جمالاً تخلب الفكر والعقلا |
ومن ذا الذي لا يأسر الحسن قلبه |
إذا كان في شرع الهوى حَكَماً عدلا؟ |
أجل..
حل عيد الفطر السعيد.. عيد شهر رمضان المبارك، وبحلوله غمرت الفرحة نفوس المؤمنين بالله رباً، وبمحمد - عليه الصلاة والسلام - نبياً، وبالإسلام ديناً. فرحة بلقاء الأحبة من الأقارب والأصدقاء، والاجتماع بهم في مجالس تظلها أجنحة الألفة، وتغمرها شلالات المودة.
وفرحة أخرى لنفوس شاكرة لله الذي منَّ على الجميع بصيام شهر رمضان، الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، وخص بليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر، وقدرهم على قيامه وبذل ما استطاعوا بذله من الصالحات، أقوالاً وأفعالاً، وقلوب مؤمنة متفائلة بكرم الرحمن الرحيم الغفور الودود، وبجوده الذي لا تحده حدود، بأن يتقبل صيامهم وقيامهم وأعمالهم الصالحة كلها.
ولقد كان لشهر رمضان المبارك ظلاله الوارفة، التي عاش فيها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، متمتعين بأجوائه الروحانية الغامرة، ومبتهلين إلى الله الكريم، الذي لا يرد دعوة مبتهل إليه مخلصاً دعاءه لوجهه سبحانه وتعالى. وإضافة إلى ذلك التمتع، وهذا الابتهال، كانوا يستذكرون تاريخ أمتهم، فيجدون أن شهر رمضان كان شهر انتصارات عظيمة لأمتهم على أعدائها. وهم - بهذا الاستذكار - يستمطرون شآبيب الفأل، الذي أمرتهم تعاليم دينهم الحنيف أن يكون حليفهم الدائم، ويحاولون إبعاد شبح اليأس، الذي تكاد سدول الغمة الراهنة، ووطأة النكبات الحالة، تعمقانه في النفوس.
لقد كان في طليعة الانتصارات العظيمة المستذكرة معركة بدر الكبرى، التي وقعت في السابع عشر من رمضان في السنة الثانية من الهجرة النبوية، والتي سماها الله، الذي جعل نصر المؤمنين حقاً عليه، -جل شأنه- يوم الفرقان. وكان جمع المؤمنين بقيادة أفضل الخلق أجمعين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
أما جمع أعدائهم من مشركي قريش فكان بزعامة صناديد تلك القبيلة وعتاتها. ولقد انتصر في تلك المعركة الإيمان الحق على الشرك الباطل، وتغلبت الفئة القليلة المؤمنة على الفئة الكثيرة الكافرة بإذن الله.
وتوالت انتصارات المصطفى وصحابته الغر الميامين إلى أن توجت بفتح مكة في العشرين من رمضان في السنة الثامنة من الهجرة. ولما تم ذلك الفتح المبين وقف المصطفى المنتصر بفضل الله على باب الكعبة، وقال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده). وضرب أروع الأمثلة في التواضع لله، والعفو عند المقدرة، ودخل أهل مكة مع من دخلوا في دين الله أفواجاً.
ومرت قرون بعد قرون، وحل زمن تكالبت على المسلمين فيه جيوش أعدائهم الشرسين، لكن الله الذي وعد بنصر من نصره، هيأ لهم قيادة برهنت على أنها كفؤ لتحمل المسؤولية، فكان انتصارهم العظيم بقيادة الظاهر بيبرس على الجيش التتري في عين جالوت، وذلك في السادس والعشرين من رمضان عام 658هـ.
أما بعد:
فإذا كانت لحلول عيد رمضان تلك الفرحة الغامرة لنفوس المؤمنين بكل أبعادها فإن لكاتب هذه السطور فرحته الخاصة بحلوله. ذلك أن إجازته تتيح له فرصة السعادة بقضاء أيام في ربوع فيحاء القصيم، التي كل ما فيها فردوس مشاعر فسيح: الأقارب والأصدقاء، والأرض والبناء، والشجر والماء. وكل ذلك ينابيع راحة، وجداول سعادة.
والوله بالفيحاء لا تستطيع الكلمات التعبير عن مداه. وكنت قد حاولت ذلك التعبير سنة 1392هـ عندما عدت من دراستي في سكتلندا. فكتبت قصيدة عنوانها (عودة الغائب)، ثم جعلت هذا العنوان عنواناً لأول مجموعة شعرية صدرت لي. ومن أبيات تلك القصيدة:
طربت.. ماذا على المشتاق أن طربا |
أرست على مدرج الأمجاد طائرتي |
وموعدي مع أحلامي قد اقتربا |
حيث التي أسرت قلبي تعانقني |
وتمسح الهم عن عينيَّ والتعبا |
كم قد مكثت بعيداً عن مفاتنها |
أغالب السهد في سكتلند مغتربا |
لواعج الشوق كم كان تؤرقني |
وكامن الوجد كم أذكى دمي لهبا |
من كان مثليَ بالفيحا تعلُّقه |
فلا غرابة إن عانى ولا عجبا |
أحلى العرائس ما من عاشق لمحت |
عيناه فتنتها إلا لها خطبا |
رأيت من بينها البرحيّ والغبنا |
حبيبتي أنت يا فيحاء ملهمتي |
ما خطه قلمي شعراً وما كتبا |
رجعت من غربتي كي أستريح على |
ربا لدى قلبيَ المضنى أعزّ ربا |
ما بينهن عرفت الأنس في صغري |
وفوقهن عرفت اللهو واللعبا |
بما يطيب عن الماضي الذي ذهبا |
وبعد الإشارة إلى شيء من تلك السجلات انتهت القصيدة هكذا:
حبيبتي أنت يا فيحاء معذرة |
أن جاء وصفي لما في النفس مقتضبا |
يطوي المسافات حتى يبلغ الشهبا |
ولا وهبت يراعاً من شمائله |
أن يستجيب لقلبي كل ما طلبا |
في مهجتي الود أصفاه وأعذبه |
لسحر عينيك ضاق النطق أم رحبا |
وبانتهاء ما أورد من تلك القصيدة تنتهي هذه المقالة، وكل عام والجميع في خير وعافية.
|