| |
الرئة الثالثة من العايدين..! عبدالرحمن بن محمد السدحان
|
|
* تحتفلُ الأمةُ الإسلامية هذه الأيام في مشارق الأرض ومغاربها بعيد الفطر المبارك، أعاده الله على قيادتنا الحكيمة وشعبنا الأغر، وأشقّائنا المسلمين بالأمن واليُمْن والبركات، وكل عام.. والجميع بألف خير. *** * أمّا قبل.. فيسألوُننَي عن العيد: ماذا يعني لي؟ فأقول: * هو فرحةٌ تغرد فوقَ أغصان القلب.. * وهو ابتسَامةٌ تُشْرق على شفاه النفس.. * وهو دمعة ودّ نتذكَّر بها حبيباً أو صديقاً لم يمْهله الأجل.. * وهو بحرٌ من التسامح نرُمِّم به جسُورَ المودة بين القلوب.. * وهو واحةٌ تتعانقُ على ضِفَافها الأرواحُ جذلةً بضَوْع الإيمان والمحبة والفضيلة. العيد عندي، باختصار، هو كلُّ تلك الفضَائل مجتمعة! *** * أما بعد، فالعيدُ موسمٌ للذكرى، في بعضها عذوبةُ الترف، وفي بعضها عَذَابُ الحرمان، وفي البعض الثالث تتَعانقُ الابتسامةُ مع العَبْرة! * واليومَ.. وفي كل يوم عيد سلف، أتذكَّر الكثيرَ الكثيرَ ممّا شهدتُ وسمعتُ سمْعاً وبصَراً وجَوارح! *** * أتذكر في هذا العيد وكل عيد مَنْ كانوا معي أو كُنتُ معهم، بين ولي ورفيقٍ وحَمِيم. * أتذكَّرُ رجالاً ونسَاءً من أهلي، افْترشُوا قلبي حُبّاً، ثم حملهم (قطار) الأجل في رحلة الأزل.. إلى يوم يبعثون بإذن الله مع الصدِّيقين والأبرار. * أتذكَّر أبي -طيَّب الله ثراه-، (عُزْوتي) الذي منحني من وجُوده جوداً ووجوداً، ومن جذوة روحه قبساً من الإيمان والثقة والطموح، ومن تجربته الحياتية الفذّة نفحة من العِبَر، أتذكّر سيدي الوالد -رحمه الله- الذي وهَبَني شرفَ الاسم والهويّة والحسَبَ،.. وإنه شرفٌ لو تعلمون عظيم! *** * وأتذكر في هذا العيد.. وكلّ عيد سيدتي ومعلمتي ونبعَ الحنان المتدفق بلا حدود، والدتي فاطمة بنت محمد بن سليمان أكرم الله مثواها. * فقد علّمتْني الكثيرَ، وتعلَّمتُ منها الكثيرَ.. كانت (أستاذتي) في (تدبير) الإدارة، قبل أن أقرأَ من علمها حَرفاً، ولذا، أشْرُفُ بوضع صورتها في مكتبي حيثما حَلَلْت! * حاولتُ قدر ما استطعت أن أكونَ باراً بها في حياتها.. كما علمني ذلك القرآن العظيم، وكانت -رحمها الله - تغْدقُ عليَّ من سحَائِب دعَائها حتى آخر لحظة من حياتها، وذلك فَضْلٌ من الله أنْعمَ به عليّ حتى آخر يوم من عمري! *** رغم ذلك، أُشْهِدُ الله أنني مهما فعلتُ براً بوالدي ووالدتي، فلن أجْزِهما من البر عشرَ العُشْرِ ممّا فعلا بي ومن أجلي: حبّاً وحناناً ومعاناةً، حتى لو زرعتَ أطراف الأرض لهما براً وعطاءً، فقد كان برّهُما بي يرْجَحُ بمراتَبِ العطاء! *** * وأتذكّر في هذا العيد وكل عيد جدِّي (لأمي) الشيخ محمد بن سليمان، رحمه الله، الذي كان لي سراجاً وهّاجاً من المحبة والبر والعطاء، احْتَضنَني بحنانه في أحلك مراحل حياتي، وعلّمني في سنّ مبكرة: معنَى (الرجولة) والاعتماد بعد الله على النفس! *** * وأخيراً.. وليس آخراً، أتذكر العم علي الشهري -رحمه الله-، (مصمم الأزياء) بقرية مشيع في عسير الذي كان يعد لي الثوبَ السنويّ ليوم العيد، وأظلُّ أتابع هذا (المشروع) مراتٍ ومراتٍ بدءاً من منتصف شهر رمضان المبارك حتى أواخِرهِ العَشْر، عبر رحلات مكوكية إلى منزله الريفي سيراً على الأقدام استعجله الإنجاز. وفي إحدى المرات نَهرني ضيقاً بمتابعتي الملحّة قائلاً بلهجته العسيرية العذبة: (افْلح يا ولدي الله يصلحك.. لِسْ قِد الصبح العيد)، فأعود إلى المنزل مكسُورَ الجناح! كان السرّ في ذلك الإلحاح الخوفَ أن يبلغ رمضانُ نهايتَه قبل إنجاز العم الشهري ثوبَ العيد، وكان هذا الخوفُ مسيَّراً بالظن أنّ العيدَ لا يكون عيداً إلا بثوبٍ جديد! والعجيبُ أن هاجسَ (الثوب الجديد) وما يقاس عليه من لوازم أخرى ظَلَّ يلازمني عبر ما تلا ذلك من سنين حتى يومنا هذا، على الرغم من أن خزانةَ الملاَبس تئِنُّ بما فيها، والحمدلله من قبل ومن بعد! *** وقبل الختام: * لو سئلتُ: ماذا تتمنَّى في هذا العيد؟ لقلت: أتمنَّى أن يستثمرَ الناسُ هذا الموسمَ الجميلَ بإعلان ميثاقٍ من الود يئِدُ الخصامَ ومن التسَامح يمحُو الزلاَّتِ.. ومن الصدق في النية والعمل يجْبُر القلوبَ، ويضُخُّ فيها دماءَ الوئام! وختاماً: * مباركٌ العيد يا مليكي المفدَّى.. ويا سمو ولي عهده الأمين أيدّكما الله، مبارك العيد يا وطني.. يا أعزَّ الأوطان، دُمتَ شامخاً وعزيزاً في كل موسم وآن.. ودُعَاءً إلى المولى العليّ القدير أن يحفظكَ من كلِّ سوء، وأنْ يصونَك من كل أذى، ليعمُرَكَ الخيرُ، ويسودَ بك الحبُّ والأمنُ والعَطاء!
|
|
|
| |
|