| |
النصر الكبير يبدأ من الانتصار على النفس عبدالرحمن علي حمياني/المخواة
|
|
تحدثت مع أحد الأصدقاء عن الانتصارات الإسلامية العظيمة التي وقعت في شهر رمضان المبارك، وكيف أن الصيام لم يزد الصحابة - رضي الله عنهم - إلا قوة وإصرارا على النصر والفوز، ولم يكن الصيام عائقاً للقيام بالمهام العظيمة التي تتطلبها تلك الفتوحات، ابتداء من زمن الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر الكبرى، عندما نصره الله على القوم الذين أخرجوه من أرضه وأهله ومن أحب البقاع إلى قلبه صلى الله عليه وسلم، وكذلك بما أعزه الله عز وجل به من فتح مكة في شهر رمضان، فما كان منه إلا أن قال لمن آذوه وتآمروا على قتله: اذهبوا فأنتم الطلقاء. هذه الانتصارات لم يكن لتتحقق من فراغ أو بأناس ضعفاء، وإنما برجال لهم إرادة وقوة عزيمة مكنتهم - بعد توفيق الله - من أن يحققوا ما يصبون إليه، واستجابوا لنداء المولى عزَّ وجل عندما قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}. فالمقام الأول في قلوبهم رضا الله ورسوله، وأما حظوظ النفس والأمور الأخرى فهي في المرتبة الثانية. ما أود أن أصل إليه هو أنه لا يمكن أن نحقق أي انتصار سواء على مستوى الأمة أو المجتمع بل ولا على المستوى الفردي ما لم نستطع الانتصار على أنفسنا الأمّارة بالسوء، وأهوائنا التي لا ترضي الله؛ فالنصر الكبير يبدأ من الانتصار على النفس، وبدونه لن يتحقق لنا من نصبو إليه.. قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}. وقد جعل الله الأنفس ثلاثا: نفسا مطمئنة، ونفسا لوّامة، ونفسا أمّارة بالسوء تملي عليه كل تصرفاته الخاطئة، ثم يقع في غضب الله، قال تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا}، وقال سبحانه: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}وقال عزَّ مَنْ قائل: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}. وقد يكون المسلم متبعاً لهواه المخالف، سواء فيما يتعلق بعلاقته بالله عزَّ وجلَّ، أو من ناحية علاقته بالآخرين، فإذا أردنا أن يتحقق للأمة النصر والتمكين ويسود العالم دين الرحمة والعدل والهدى، فينبغي أن نحقق النصر على ذواتنا وأنفسنا أولاً، فشهر رمضان فرصة عظيمة أن نفعل ذلك، فأما ما يختص بعلاقتنا بالله، فنزيد رصيدنا من العبادات التي لم نكن نداوم عليها في غير رمضان ثم نفعلها بعده، مثل: صلاة الوتر، وقيام الليل، وقراءة القرآن الكريم، والإلحاح في الدعاء (فإن الله يحبه)، وكذلك نصرُّ على التخلص من الأعمال التي تغضب الله، سواء كنا نقوم بها قبل شهر رمضان أو بعده، ونجعل شهر رمضان معركة مع النفس، ونأخذ بأسباب الانتصار في هذه المعركة المقدسة. أما علاقتنا بالآخرين سواء الأقربون أو الأبعدون، فندخلها ضمن بنود هذه المعركة الشريفة، فبداية ننظر للعلاقة بالوالدين اللذين قال الله فيهما: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا}، وقضى يعني: (أمر)، فقرن سبحانه الإحسان إلى الوالدين بطاعته تعالى تنبيها لعظم هذا الواجب، ثم ننظر في حقوق الآخرين الأقرب فالأقرب، كما ينبغي أن نتخلص من الصفات السيئة التي كنا نقابل بها عباد الله مثل: الغضب والظلم والخيانة والتعدي على الأعراض والغيبة والنميمة، وأكل أموال الناس بالباطل، والتعسير على الناس، والتكبر عليهم واحتقارهم، وعمل الدسائس والمكائد لخلق الله، كل هذه الأمور ينبغي على الإنسان أن يخوض معها معركة كبيرة، يطرد فيها السيئ والقبيح، ويغرس الحسن والجميل.. ولا ينس أن يستصحب في هذه المعركة مع النفس الإخلاص لله رب العالمين، حتى يتقبل الله عمله، ويرفع درجته. أسأل الله عز وجل أن ينصرنا على أنفسنا الأمارة بالسوء والشيطان في هذا الشهر وكل الشهور، وأن يوفقنا للصالحات والأعمال التي ترضيه عنا، إنه - سبحانه - على ذلك قدير وبالإجابة جدير.
homiany@hotmail.com |
|
|
| |
|