فجعت خلال عشرة أيام من شهر رمضان المبارك، بوفاة ثلاثة أعزاء هم: خالي (محمد)، وعمي (عبدالله)، وأخ لم تلده أمي، وكل واحد منهم له مكانة من الحب والود والتقدير، فأما خالي وعمي فلن أتحدث عنهما - رحمها الله -، فمهما قلت عنهما فهناك من سيرد ذلك إلى العاطفة الروحية، والمكانة الأبوية منهما لي - رحمهما الله تعالى -.
وسوف أتحدث عن أخي وحبيبي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن سلمه، ذلك الأخ الصديق الذي فجعت، وتألمت لمرضه قبل وفاته، حين داهمه المرض قبل خمسة عشر عاماً، وكان ذلك اليوم آخر عهد له بمعرفة من حوله، وشعوره بهذه الدنيا الفانية، وظل طريح الفراش في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض حتى وافاه الأجل، ورحمه ربه إن شاء الله يوم الأحد 16-9-1427هـ، وقد كتبت عن تألمي لمرضه، وذكرياتي مع شخصه، ونبله، وكرم أخلاقه، مقالات عدة، أما وقد اختاره الله سبحانه وتعالى، وتوفاه، فأمامي وقفات أود كتابتها، وخواطر رغبت في اطلاع القارئ عليها:
الوقفة الأولى: أن الناس شهود الله في أرضه، كما قال - عليه أفضل الصلاة والسلام -، وما سمعت أحداً يذكر (أبا عبدالإله) أثناء مرضه، إلا ووجدته ينهي الحديث بالترحم عليه، والدعاء له بالمغفرة، ويذكره بالخير، وأكد ذلك من حضر للصلاة عليه، وشيع جنازته، رغم أنها في ظهيرة يوم من أيام رمضان، والناس صيام، والموظفون في أعمالهم.
لقد كانت تربطني رابطة أخوية به قبل أن تفصل وزارة الحج وتستقل، ثم انتقلت للعمل في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، فاستمعت إلى أناس كثيرين ممن زاملوه في عمله، ووجدتهم جميعاً يؤكدون ما أعرفه عن هذا الرجل من مكارم، وأخلاق فاضلة، وتقدير للصغير والكبير، فعلمت بعد ذلك بأنني لست الوحيد المأسور بحبه وأخلاقه ونبله، ولا أستغرب على هذه الأسرة الفاضلة (آل سلمة)، فقد صاحبت وزاملت منهم الكثير من الاخوان والابناء، وعلى رأسهم شقيق الفقيد (فهد)، و(عبدالرحمن بن فهد)، و(عبدالعزيز بن سعد)، ولا أنسى (عبدالله)، فوجدت الكل منهم يتحلى بهذه الأخلاق الكريمة الفاضلة.
الوقفة الثانية مع الشيخ محمد بن سلمه - رحمه الله -، هي من لدن رجل الإنسانية، وأمير النبل والشهامة، ورائد الوفاء والإحسان، صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض - حفظه الله-، الذي وقف - رعاه الله - خلال فترة مرض الفقيد وقفة رجولية، إنسانية غير مستغربة، وقف مع المريض وعائلته، يحيطهم بعنايته ورعايته، والسؤال المستمر عنه، وتوجيه المستشفى الدائم، وسؤالهم عن أحواله وصحته، واستعداده لعلاجه في أي مكان بالعالم، إذا ما كان ذلك متوفراً ومتيسراً، فله من الله سبحانه وتعالى الأجر والمثوبة، والمعروف من سموه ليس بمستغرب، وتوج ذلك حين كان في مقدمة المصلين على الفقيد الغالي.
الوقفة الثالثة مع إخواني وأبنائي عائلة آل سلمه، الذين ما عرفت عنهم إلا كل جميل ومحمود، من الخصال الطيبة، والأفعال الجيدة، والكلام الحسن، فقد وقفوا مع أخيهم وعائلته مواقف محمودة مشكورة، وصارت مثلاً في الوفاء والحب والإخلاص، فكان أشقاؤه وأبناؤهم منذ أكثر من خمسة عشر عاماً يتناوبون على رعاية أخيهم، ومرافقته في المستشفى، لم يفارقوا غرفته لساعة واحدة، رغم أنه لم يكن يشعر بمن حوله، ولكنه شعور حميد، ومواقف أخوية صادقة، قدموها درساً عملياً في الوفاء والمحبة، والصدق والصبر، واحتساب الأجر من الله سبحانه وتعالى.
إنني أعزي نفسي، وأعزي أبناء الفقيد الغالي، وبناته، وزوجته، وأشقاءه، وأسرة آل سلمة جميعاً، وكل محب لأبي عبدالإله.
اللهم أرحم موتانا وموتى المسلمين، الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، اللهم اغفر لهم، وارحمهم، واكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، اللهم، جازهم بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، حتى يكونوا في بطون الألحاد من المطمئنين، وعند قيام الأشهاد من الآمنين.. اللهم انقلهم من ضيق اللحود، ومراتع الدود، إلى جناتك جنات الخلود، في سدر مخضود، وطلح منضود، وظل ممدود.. اللهم وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه يا رحمن يا رحيم.
كما أسأل المولى عز وجل أن يغفر للفقداء الغالين، وأن يرفع درجاتهم في المهديين، ويخلفهم في عقبه في الغابرين، وأن يفسح لهم في قبورهم، وينور لهم فيها.. اللهم آمين.