ليالي الغنائم تَمُرُّ أحلامَ نائم، تطلب من اللبيب تدارك ما فيها من النعائم، تلك هي العشر الأواخر ذات الفضل والجود من الرب الودود، مواسم للتجارة الرابحة مع الحق سبحانه، وصفقات لا تعدلها صفقات، أيام العشر الأواخر ولياليه أفضل ليالي رمضان وأيامه.
القدوة والأُسوة المصطفى الكريم - عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم - يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها بالعبادة والطاعة التي تصل إلى شدّ المئزر وإيقاظ الأهل.
تتزيّا تلك الليالي ليلة القدر، ليلة مباركة، خير من ألف شهر، عامرة بنزول الملائكة، فيها يُفرق كلّ أمرٍ حكيم، ليلة نزل بها القرآن، سلامٌ هي حتى مطلع الفجر، مَن قامها إيمانًا واحتسابا غُفِر له ما تقدّم من ذنبه، أفلا نكون من أهلها!
ومن بين القوم فئامٌ تصوّروا مآلهم، واستغلّوا أعمالهم، وبكوا على نفوسهم كأنّ النار لم تُخلَق إلاّ لهم، ولسان حال أحدهم :
فَتُب واعفُ عنِّي يا إلهي تكرُّماً |
وكُن بي يا ربّ البريّة راحِماً |
ابتعدوا عن لذيذ الرّقاد، وناجوا بكل صدق ربّ العِباد، يبكي أحدهم عند الموت فيُقال له: ما يُبكيك؟ فيقول: أبكي على يومٍ ما صُمته وليلةٍ ما قُمتها.
أنفاس العُمر معدودة، وآجاله محدودة، وفي الثُّلث الأخير ساعة الإجابة، ساعة لا يُوافقها عبدٌ مسلم يسأل الله من خير الدنيا والآخرة إلاّ أعطاهُ إيّاه، وذلك كلّ ليلة.
مواسم عظيمة تُنادي: أيها العبد قُم لمناجاة ربّك، وقُم على عتبة بابه، فكفاك أن يراكَ من الواقفين اللائذين بجنابه، إن دعوتَه لبّاك، وإن تُبتَ إليه قبِلك وارتضاك، وسلك بك مع حزبه سبيلاً.
لله دَرُّ القائمين بلَيلِهم |
يدعون ربّاً للقليلِ شَكُوراً |
قومٌ أقاموا للإله نفوسَهم |
فكَسا وُجوههم الوسيمةَ نُوراً |
تركوا النعيمَ وطلّقوا لذّاتِهم |
زُهـداً فعوّضهم بذاكَ سُرُوراً |
السعادة جِدُّ عظيمة لمن قُبلت منه في شهره الأعمال، والخسارة أليمة لمن فرّط في صيامه بالإهمال.. إذا خسرتَ فمتى تربح؟ وإذا لم تُسافر فيه نحو الفوائد فمتى تبرح؟
فهلمّ إلى خير العمل!
كلية اللغة العربية بالرياض
|