| |
حذار من أعداء الإنسانية د. وحيد بن حمزة عبد الله هاشم
|
|
من الواضح أن عوامل وقوى الجهل، والفقر، والمرض دائماً ما تتفاقم مخاطرها الثقافية والحضارية أكثر عندما يعتنق من يعاني منها فكر التّشدد والتّطرف والغلو التي تعتبر في طليعة مصادر الخلاف والاختلاف الإنساني الاجتماعي والسياسي والعقدي، وبالتالي تعد مدعاة لاندلاع الصراعات ونشوب الحروب الدموية بين البشر (المجتمعات الإنسانية). ويصبح الوضع خطيراً ومتدهوراً وتغدو الحالة أكثر خطورة وحساسية عندما تنتشر ومن ثم تتعمَّق ثقافة التعميم، ولربما ثقافة التخصيص، في جذور الثقافة العامة والثقافة المدنية والثقافة السياسية لبعض المجتمعات، لا بل والأخطر منها عندما تتعمَّق تلك المتناقضات في متون الثقافة العقائدية فتتعمَّق في النفوس وتتحصَّن في العقول فيتشربها الوعي الإنساني لتغدو جزءاً لا يتجزأ من ذلك الإنسان ذي البُعد الواحد. وإذا ما سلمنا جدلاً، وهي حقيقة لا غبار عليها ومسلّم بها، أن الفقر والجهل والمرض أعداء دائمون للإنسان، بل أشد عدواناً على الإنسانية منذ فجر التاريخ وحتى اليوم، فمن الطبيعي أو المنطقي الجدل بأن قطار تلك الآفات الثلاث سيمضي وينتقل إلى أجيال المستقبل غير المنظور فالفقر يسهل ومن ثم يشجع إن لم يغر على الانحراف الفكري والخلقي والسلوكي، وبالتالي المروق عن جادة الطريق الشرعي والقانوني الصحيح. بل إن الفقر من أخطر الأمراض الاجتماعية والاقتصادية فتكاً في المجتمعات الإنسانية التي ما أن تصيبها حتى تتسبب في تفككها وربما تحللها وانهيارها خصوصا فيما لو تعاظمت مخاطر الفقر المدقع وأفرزت سلبيات أمنية وسياسية واجتماعية خطيرة. وإذا قلنا إنه من المعروف أيضاً أن الجهل ظلام للعقل والبصيرة الإنسانية، وإن من يتملّكه مارد الجهل من السهل إغواؤه والتلاعب به واستلابه فكرياً.. لذا لا يمكن أن يكون الجهل حصناً منيعاً يحتمي به العقل ليقف سداً منيعاً أمام الضغوط النفسية والإغراءات العقائدية وعمليات الاستلاب الفكري التي تستخدمها قوى الشر والفساد والبغي والعدوان لشحن العقول الضعيفة، أو الأنفس المهزوزة بغية تجنيدها لمحاربة قوى الخير والعدل والسلام. ومن جانب آخر مترابط مع الجوانب السابقة، فإن المرض لا يجهد الجسد الإنساني السقيم ويستنزفه فحسب، إنما يستنزف معه قوى الإنسان وطاقته وحيويته وقدرته على العطاء والتفكير السليم الأمر الذي يغيِّب العقل والفكر والوعي ويشجع صاحبه على الانحراف عن طريق الحق والصواب. إن الفقر بجميع المعايير والمقاييس العلمية بات يمثِّل الخطر الأكيد على تقدُّم ونمو وتطور ومن ثم رفاهية الإنسانية خصوصاً أن معظم إن لم يكن جميع دول وشعوب العالم الثالث النامي تعاني من مشاكله ومصاعبه ومعوقاته الهيكلية والحضارية. مشكلة الفقر أنها من المشاكل العميقة الخطيرة والمتأصلة التي تُعد ظاهرة إنسانية مزمنة ليس بفعل الطبيعة البشرية ومصادرها المادية بقدر ما هي نتاج لفعل الإنسان نفسه سواء كان إنسان الماضي أو الحاضر. وهو ذات الإنسان الذي أوجد (ويضمن استمرار وجود) مقومات ومصادر البيئة الاجتماعية والاقتصادية وربما السياسية التي تضمن بقاء الفقر مهيمناً على الغالبية العظمى بهدف إبقاء الأغنياء في الأقلية القليلة. وفيما لو دققنا النظر في الغالبية العظمى ممن ارتكبوا الجرائم ومارسوا شتى أشكال العنف والإرهاب والتطرف لوجدنا أن معظمهم نتاج لبيئة اجتماعية متفككة أو متناقضة في الأفكار والتوجهات والمعتقدات بفعل الفقر والجهل والمرض.. فالتفكك الأسري خاصة والتفكك الاجتماعي عامة ينتج أجيالاً إنسانية ضعيفة ومعقَّدة، كما أن التناقضات الحضارية والثقافية في المجتمعات الإنسانية عادة ما ينتج عنها أجيال متناقضة تكون نواة لعلاقات مجتمع التناقضات والمتناقضات الذي حتماً مآله التفكك والانهيار لنحارب أعداء الإنسانية أولاً قبل أي شيء آخر لكون خطرها يعم ولا يخص.
|
|
|
| |
|