| |
دروس الصوم خالد عبدالعزيز الحمادا - بريدة
|
|
الحركة المكثفة في بداية شهرنا الكريم وازدحام الناس على محلات المواد الغذائية خاصة بائعي (السنبوسة) يؤكدان أننا أمة نشفق على أنفسنا كثيرا، وأن الأطباق وأصناف الطعام هي سيدة مجالسنا، بل قد تغطي سائر برنامجنا اليومي. وحتى نكون منصفين ولا نظلم أحدا كم من الوقت نصرفه في البحث عن فائدة؟ وكم من الوقت نصرفه في ثقافة (البطون)؟ الإجابة في تصوري واضحة يؤكدها واقعنا وحالنا مع شهر البركة والخير (رمضان). طبعا لا يفهم مما سبق أنني ضد الغذاء الطيب اللذيذ.. لا .. أبدا.. وإنما أنا ضد الاهتمام والحرص الزائد وأن تسيطر أطباق الطعام على سائر تفكيرنا وأن تغيب مزايا وأسرار وروحانية شهرنا الكريم بين أصناف الطعام وأنواع الأطباق، وبين اللهاث خلف أصناف وأنواع البرامج الهازلة التي تعرض في الشاشات وتنقل عبر الأطباق الفضائية.معذرة.. أحبائي فقد طال تقديمي.. لكن ما أردت قوله هو أننا حقيقة لم نحسن استقبال هذا الضيف الكريم الذي جاء قبل أيام بالخير وحلّ بالبركة علينا.. هذا الضيف لا يحرم ما أحلّ الله من لذائذ الطعام لكنه يدربنا على أن نكون في الوسط، لا نسرف ولا نقتر (وكان بين ذلك لزاما). هذا الضيف الكريم جاء ليعلمنا ويربي نفوسنا على أمور: منها تربية نفوسنا على الصبر والتحمل.. الصبر عن الطعام وعن الشراب، ترويض وحبس النفس عن مغرياتها وشهواتها، وتدريبها وتعويدها على أعظم القيم وأصل الخلق وهو الصبر الذي بنيت كل عباداتنا عليه، ولذلك نجده يتكرر معنا في معظم آيات القرآن الكريم، وربنا لعظم هذا الخلق فهو سبحانه يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}، ورسولنا الكريم سماه شهر الصبر، وفي حديث آخر جعل الصوم نصف الصبر (لكل شيء زكاة وزكاة الجسد الصوم والصوم نصف الصبر). ومن دروس رمضان أنه يعودنا على كسر العادات وإمكانية تغييرها وتبديلها، فما دام الإنسان يحبس نفسه ويمنعها من الطعام والشراب ويكسر عادتها ويدافع رغباتها وهي من أصعب العادات فإنه لا شك سيكون قادرا على ترك العادات السلبية واستبدالها بإيجابية مثل عادة التدخين وعادة الغيبة وعادة النميمة وإساءة الظن.. والكذب.. إلخ.وأيضا من دروسه تحبيب الخير لهذه النفس وتمهيد طرقه وتدريبه عليه وتيسيره له؛ ولذلك ربنا سبحانه تكرم علينا في هذا الشهر وهيأ لنا طرق الخير وأغلق منافذ الشر حتى يستطيع المسلم أن ينهل من خير هذا الشهر ويستغل هذا الموسم بالإقبال على العبادة.. وحديث أبي هريرة المتفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين) قد يوحي لنا بأن ربنا سبحانه فتح لنا أبواب الرحمة وهيأ لنا طرق الخير وأغلق أبواب ومنافذ الشر وحبس ومنع عنا كل من يوحي لنا بالشر ويغرينا بالمعصية من شياطين الإنس والجن. ومن دروسه أنه يربي نفوسنا على الإخلاص ويغذي فينا روح المراقبة في سائر عباداتنا، فذروة الإخلاص التي وصلت إليها في رمضان انقلها إلى سائر الطاعات والعبادات، وقول ربنا في الحديث القدسي (الصوم لي وأنا أجزي به) دليل قرب العبد في رمضان من الله سبحانه ونقاء نيته وإخلاصه. ومن دروسه إحياء روح التواصل والتعاون بين المسلمين وتذكر الفقراء والمعوزين بل الشعور بفقرهم وجوعهم وعطشهم. دروس رمضان وأسراره كثيرة وقد لا يسمح المجال لذكرها لكن لعلي أنتهي عند هذه اللفتة المهمة في شهرنا الكريم وهي سمو الروحانية وارتفاع الإنسان عن المادية، فتوقفه عن الطعام والشراب وإخلاصه في صيامه لله وتضييق مجاري الشيطان وفتح أبواب الجنان وإغلاق أبواب النار وتصفيد الشياطين كل هذه تجعل المسلم في رمضان يرتقي درجات بإيمانه ويعيش ويسمو بروحه؛ ولذلك تجد معظم المسلمين في رمضان يقبلون على الخير وعلى العبادة ويبتعدون عن الذنوب والمعاصي فصيامهم أحيا نفوسهم ورقق قلوبهم وطمأنها وهيأ لهم سبل الخير ومنعهم من الشرور؛ لأن الصيام (وُجاء)، كما قال صلى الله عليه وسلم في نصيحته للشباب: (يا معشر الشباب مَنْ استطاع منكم الباءة فيلتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومَنْ لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وُجاء). سطور أخيرة قال صلى الله عليه وسلم (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم) رواه الترمذي وحسنه وأحمد وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما.. هذا الحديث بشرى لنا جميعا نحن الصائمين بأن دعاءنا مستجاب، فلماذا لا نحيي عبادة الدعاء ونمد أكف الضراعة في هذا الشهر الكريم لعل الله أن يرحمنا.
|
|
|
| |
|