| |
2 - 2 التاريخ المنسي العلم الذي نضج.. حتى احترق ندى الفايز
|
|
كنت قد تحدثت بالمقال السابق عن عروبة اللغة والحضارة الإنسانية وسنتناول بهذه المقالة الحديث عن نظرة الاستعلاء الغربي على الثقافة العربية والإساءة المتعمدة إلى التعاليم الإسلامية والتي كان من أبرز من تصدى لها المفكر المصري عباس محمود العقاد رحمه الله وبدأ ذلك عبر إثبات ريادة اللغة والحضارة العربية على بقية الحضارات، وبلغ في ذلك أن أوضح أن أصل الأبجدية اليونانية (حروف الكتابة) هي العربية بحروفها وبمعانيها وأوضح أنها منسوبة عند اليونان أنفسهم إلى (قدوس) الفينيقي (العربي) وفي كتاب يوناني لمؤرخهم الأكبر هيرودوت الذي يعد أول من علم اليونانيين الكتابة والصناعة نقلا عن العرب وغير ذلك من الحجج والبراهين التي أشغلت العالم رغم قيام الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك أعلن وقتها القائد الألماني الشهير (أدوين روميل) ومن خلف خطوط النار أن الألمان فور وقوع مصر بقبضتهم ستتمثل أول مهمة عسكرية للجيش الألماني في إعدام المفكر المصري عباس العقاد فورا في الساحة العامة. رحم الله العقاد فلقد أشغل العالم بكتبه ومؤلفاته التي كانت ومازالت حجة كل ساع للحقيقة والذي يعد المثل الأعلى في حياتي العلمية بعد والدتي رحمها الله ووالدي حفظه الله، ولا يملك القارئ غير الترحم عليه وتذكر المعارك الثقافية التي خاضها وكسبها وكيف أقام الدنيا ولم يقعدها وفند الحجة تلو الحجة وقارع الفكرة بالفكرة، خاصة التفوهات المسيحية واليهودية عن الإسلام وما أحوج العرب لأمثال العقاد في هذا الزمان حتى نخوض مثل تلك المعارك الثقافية ونكسبها ونحارب تلك الأفكار الانهزامية التي يحاول الآخر زرعها لإشاعة روح الانهزامية والانكسار لدى المسلمين. وحتى لا تصبح العقول العربية والإسلامية ناقلة للمعلومة بحذافيرها عوضا عن أن تكون فاحصة لها لابد من تحرير جمود العقل حتى يكون نبع فكر وضياء، وذلك عبر التركيز على البحث العلمي وتفعيل دور مراكز الأبحاث الوطنية والاستراتيجية بالدول العربية عوضا عن الانبهار والنقل الأعمى من الثقافة الغربية دون تفحص أو حتى إجراء بحوث للتأكد من النتائج العلمية وإخضاع حتى المنهجية إلى ما يعرف بالتحكيم العلمي والرد عليها بثقافة (الآخر) التي يفهمها لا بثقافة (الأنا) التي نفهمها. * * * واستنادا إلى ما سبق ذكره من أثر ذلك التاريخ المنسي للعرب على الحضارات الأخرى وبعد وضع تلك الشعوب في مواضعها الصحيحة ابتداء من ورق الخرائط الجغرافية ومرورا بصفحات التاريخ وانتهاء باستمرارية الإساءة دون احترام أو امتنان للتاريخ العربي والإسلامي الذي نهض بالعالم الغربي، يكمل هنا الرد على بابا الفاتيكان وما قاله في محاضرته بألمانيا عن الإسلام وعن الحوار الذي دار في القرن الرابع عشر بين إمبراطور بيزنطي و(فارسي مثقف) حيث يقول الإمبراطور للمثقف: (أرني ما الجديد الذي جاء به محمد. لن تجد إلا أشياء شريرة وغير إنسانية، مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف). لا ريب أن البابا بنديكت السادس عشر الذي سبق أن أعلن عند توليه البابوية واعتبار أول حبر ألماني منذ 500 عام محافظا دينيا بالفاتيكان أعلن وقتها للعالم عن رغبته في أن يكون (عاملاً بسيطاً ومتواضعاً في كروم الرب) وبالتأكيد لا يزال على عهده أمام الله عز وجل قبل أن يعاهد العالم أمام عدسات التصوير وشاشات التلفزيون. ويعلم البابا كذلك أن التاريخ الذي يتحدث عنه كتبه أناس من وجهات نظر محددة وقاصرة يستأنس بهم و(لا) يلزم الأخذ فيه أو النقل عنه ومن ذلك حديث الإمبراطور البيزنطي مع المثقف الفارسي وعليه يمكن استيعاب مساحات الخلاف فيما بينهم لكن لا يمكن فهم سبب قيام بابا الفاتيكان في ذكر تلك الرواية البشرية وترك الأخذ بما جاء في الكتاب المقدس بالعهد الجديد (الإنجيل) وما أكد عليه القرآن الكريم والسنة النبوية خاصة وأن مساحات التقارب في الأديان السماوية الثلاثة أكثر من مساحات الاختلاف وكان من المنتظر في مثل هذه الظروف إذا أراد البابا أن يتحدث عن الإسلام أن يذكر التعاليم الإسلامية التي جاء بها الرسول محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بدلا من الاستشهاد بروايات بيزنطية والإساءة للمسلمين. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم يسأل البابا كما هي عادة البابوية بالفاتيكان أن يسألوا باسم الرب أن يتوقف القتال بالعالم ويعم السلام على الشعوب ويدعو للتسامح الذي جاء به المسيح، ولماذا لم يذكر البابا أن التحولات الدينية في أوروبا القديمة كانت سببا رئيسيا لقيام الحروب الصليبية خاصة بعد خطاب البابا أربان الثاني في مجمع كلرمونت سنة 1095م الذي استخدم اسم الرب في ذلك رغم أن الإنجيل يؤكد على التسامح وأن لا أحد يملك الحق في استخدام الدين لتبرير الحروب الأمر الذي لم يطبق في تلك الحروب الصليبية التي استمرت 195 عاما ضد المسلمين وخالفت تعاليم الإنجيل ولم تكن ضمن التعاليم التي وصى بها المسيح واستخدم فيها المسيحيون اسم الرب والروح القدس حتى شقت بطون المسلمات وأجبر الرجال على رمي أنفسهم من المرتفعات وسحق الأطفال تحت الأقدام، ومن المفروض أن يشدد البابا أن لا يكرر المسيحيون المتاجرة بالدين وقتل البشرية وتدمير الإنسانية بدلا من أن يسيء إلى الرسول محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، الأمر الذي أغضب مسلمي العالم على اختلاف أجناسهم وألوانهم وأصولهم، فهل يوجد بالعصر الحديث الذي يشهده البابا من أجبرهم على اعتناق الإسلام بالسيف بعد أكثر من ألف وأربعمائة عام!! وقطعاً لم يبق للتذكير سوى.. أن نعود بالتاريخ للوراء وتحديدا لقصة سفينة سيدنا نوح عليه السلام، الحفيد العاشر لسيدنا آدم (أبي البشرية) التي ورد ذكرها بالقرآن الكريم وكذلك بالتوراة والإنجيل وحتى بالأساطير اليونانية حيث يوجد ملحة بالثقافة الإغريقية حول ذلك، وخاصة أن البابا قد أوضح أن المسيحيين متأثرين جدا بالإغريق وعليه لا يمكن الحديث عن السلام وبحسب ثقافة الآخر التي يفهمها هو (لا) نحن دون توضيح أن نوح عليه السلام ومن معه بالسفينة عند حصول الطوفان علموا بأن اليابسة قد بدأت تظهر وتبين عندما جاءت الحمامة التي أرسلها نوح وبفمها غصن زيتون من إحدى الأشجار العربية مبشرة بالسلام ومنها أصبح غصن الزيتون رمز السلام والنجاة. وعليه كان ولايزال رمز السلام عبارة عن غصن شجرة زيتون من بلاد العرب كما أن الحضارة الإنسانية قاطبة خرجت من شبه الجزيرة العربية قبل نزول الأديان السماوية الثلاثة، فعلامَ هذا الاستعلاء؟ ولماذا كل تلك الإساءات المبطنة التي أخذت تطول حتى رجال الأديان السماوية المسيحية ومن قبلهم اليهودية؟ فلقد سبق أن صرح الحاخام اليهودي عوباديا يوسف بأن الله عز وجل - وعلى حد زعمه - قد ندم على خلقه أبناء إسماعيل الذي جاء العرب من نسله (وأمر سيدنا إبراهيم بقتل إسماعيل) وألحق ذلك بفتوى أخرى تجيز قتل العرب وأنه يجب أن لا تأخذهم رحمة بالعرب بل يجب قصفهم بالصواريخ من أجل إبادتهم تماما ومحوهم عن وجه الأرض، كما أصدر الحاخام دافيد كفيتس كذلك فتوى أن قتل العرب لا يشكل أي مشكلة أخلاقية على الإطلاق ويجب حتى عدم التفكير بالأبعاد الإنسانية عند قتل العربي.
nada@journalist.com |
|
|
| |
|