| |
تدريبات إلهية د. علي بن محمد التويجري
|
|
كان صوت الرجل يأتي إلى أذني مفعماً بالثقة والزهو، وهو يتحدث عن جهوده في تدريب فريق كرة القدم الفائز، التفت ناحية التلفاز فرأيته يجلس مزهواً لا يطيق نفسه من فرط احساسه بالفخار، قال: التدريب هو اللاعب، واللاعب هو التدريب، اللاعب الذي لا يتدرب ولا يطوع أصغر وأدق عضلات جسده لضرورات اللعب عليه أن يعتزل، وقال: إن أحدث نظريات التدريب تقول: إن التدريب هو ضبط النفس والسيطرة على الشهوات والنزوات، استمعت إلى الرجل بانصات وتذكرت ما كنت قد قرأته منذ أيام على لسان أحد أعلام الموسيقى في مجلة عربية ذائعة الصيت وكان يتحدث فيها أيضاً عن تكوين العازف الموسيقي والنظريات العلمية الحديثة التي تحتم عليه أن يتدرب لعدة ساعات يومياً. ثم تأملت ما نحن فيه من صوم لشهر رمضان المبارك في كلتا الحالتين، حالة اللاعب وحالة العازف، ونظرت إلى ذلك الطموح الذي يجعلهما يتحملان عناء التدريب ومشاقه، طموح الأول في أن يصبح لاعباً أفضل، وطموح الثاني في أن يصبح عازفاً أفضل، وقلت: سبحانك اللهم ما أرحمك وما أكرمك، لقد رسمت لنا الطريق وحددته.. ووضعت لنا القواعد الكاملة الشاملة التي تنظم سعينا نحو الإنسان الأفضل والأرقى قبل أن توضع النظريات أو تجري البحوث، فالصوم في جوهره تدريب شامل كامل لكنه تدريب رباني لا يهدف إلى مجرد السيطرة على عضلات الجسد أو أطراف الأصابع بل يتجه مباشرة نحو الجوهر نحو الروح.. قلت سبحانك اللهم ما أيسر الجهد وما أعظم الجائزة. أمسكت بكتاب مختصر منهاج القاصدين لابن قدامه وقرأت فيه (قيل: إن الصوم عموم وخصوص وخصوص الخصوص، فصوم العموم هو كف البطن والفرج وسائر الجوارح عن قصد الشهوة، وصوم الخصوص هو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام، وصوم خصوص الخصوص هو صوم القلب عن الهمم الدنية وكفه عما سوى الله بالكلية (الصوم إذن في جوهره تدريب للجسد والعقل والروح كي ترقى وتصفو وتعلو وتتوجه بعملها إليه سبحانه وتعالى.. أليس هو القائل في حديث قدسي (كل عمل ابن آدم له.. إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به).وكل عام وأنتم بخير..
|
|
|
| |
|