| |
يارا أبو شلاخ البرمائي عبدالله بن بخيت
|
|
ابتلي غازي القصيبي كروائي بتجربتين فاشلتين الأولى قبل سنوات عندما أنتجت ال(إم.بي.سي) روايته الأولى شقة الحرية في صورة مسلسل تلفزيوني والأخيرة أبوشلاخ التي تعرض هذه الأيام كمسلسل على شاشة القناة الأولى ولم يجد حتى من يتحدث عنه فضلاً عن متابعته. تضعنا هاتان التجربتان أمام مسألة تحويل النص القصصي (الروائي) من قصة تتحرك في خيال القارئ بتحريض من الحروف إلى عمل درامي صوري. Adptation. للحقيقة لم أشاهد في حياتي رواية أمريكية أو بريطانية تم تحويلها إلى مسلسل تلفزيوني من قبل. ولكن هناك عدد كبير من الروايات الشهيرة تم تحويلها إلى عمل سينمائي، حققت نجاحات كبيرة على رأسها رواية العراب للكاتب الأمريكي ماريو بوزو التي حولت إلى فلم سينمائي بنفس العنوان. رغم تقادم الزمن بهذا الفلك فما زال يعد من الأعمال الخالدة بل فاز في الاستفتاء الذي أجرته إحدى المواقع الإلكترونية بمناسبة رحيل القرن العشرين كأفضل فلم سينمائي أنتجته هوليوود. وإذا كانت تلك الرواية كتبت في الزمن الذي كان الكتاب يعمدون فيه إلى كتابة الرواية بصورة قريبة من كتابة السيناريو في انتظار أن يتبناها ستديو ويحولها إلى فلم يحقق الثراء لمؤلفها فإن هناك أعمالاً تم تحويلها إلى سيناريو رغم صعوبة بنية النص وتعقيده مثل رواية (امرأة اللفتنانت الفرنسي) للروائي الإنجليزي الحداثي جون فاولز. من الممتع البحث عن الأسباب المتعلقة بفارق الجنس الفني مع الأخذ في الاعتبار نواحي الخبرة في عملية التحويل من جهة وعملية الإنتاج كالإخراج والسيناريو والتمثيل وغيرها من جهة أخرى. ما هي الفروق بين الأجناس الفنية الثلاثة (الرواية الفلم السينمائي والمسلسل التلفزيوني). ظاهريا يبدو أن هذه الأجناس الثلاثة تنتمي إلى أرومة واحدة فكلها تقدم حكاية وشخوصاً وأحداثاً تتحرك وسط الزمن، لكن هناك سؤال قد يجعلنا نعيد النظر فيما يبدو أنها مسلمة. تستغرق قراءة الرواية أياماً بينما لا يستغرق مشاهدة الفلم السينمائي القائم على نفس الرواية سوى ساعتين أو ثلاث ساعات. ترى أين ضاع فارق الزمن الكبير هذا رغم تشابه ما توصل إليه قارئ الرواية مع الذي لم يشاهد سوى الفلم فقط؟ الرواية قائمة على سر يسمى اصطلاحاً العرض (REPRESENTATION) وهو الوسط الذي تقص في داخله الأحداث. فالأحداث التي نركض وراءها ليست سوى ذريعة لقراءة هذا العرض لأنه الوسط الذي يحمل الفعل الروائي. فالرواية أي رواية (باستثناء بعض أعمال ميلان كونديرا) تتحرك كالبندول ذهابا وإيابا في الزمن. هناك حكاية (أحداث متتابعة) تتحرك في نفس زمن القراءة وفي الاتجاه الحتمي للزمن، وهناك حكايات أخرى تتحرك في أزمة مختلفة وباتجاهات مختلفة وإلى جانب هذا وذاك هناك توصيف وبحث في الأنا الداخلي للشخصيات وعرض للأمكنة وتحولاتها في داخل النص وداخل أخيلة الشخصيات وتوصيفات أخرى لا حصر لها تتوالى في الأساس من خلال فعل القراءة. كل هذه العناصر تقع في داخل ما سميته بالعرض وخارج ما يعرف بالحكاية. ولكي نتعرف على ذلك بإمكاننا أن نقص رواية الحرب والسلام أو أسرة تيبو المكونة من خمسة مجلدات في أقل من ربع ساعة. إن ما نقصه شفهياً هو الحكاية وما نتركه هو العرض وهو الرواية. عندما نحول النص الروائي إلى عمل سينمائي أو مسلسل تلفزيوني فنحن في الحقيقة نقوم بنفس فعل القص الشفهي أي نستعير من الرواية عنصر الحكاية وهي الأحداث المتحركة في الاتجاه الحتمي للزمن ونترك الباقي. والمسلسل التلفزيوني حالة أسوأ في ظني لأنه يستعير الحكاية ويستبعد (العرض) الرواية ويضيف عليها فارق الزمن عبر تمطيط الأحداث. مع ملاحظة أن تمطيط الأحداث في المسلسل التلفزيوني أمر ضروري لأن المسلسل التلفزيوني غير معد للمشاهدة بكامل الانتباه لأنه خلق للمتعة التي تقدم في البيوت وأثناء حضور كامل العائلة التي لا يسمح تجمعها بالتركيز الكامل. أي أن المسلسل التلفزيوني عمل إمتاعي(ENTERTAINMENT) لا عمل فني (ART). إذا دققنا في هذا الأمر سنجد أن كاتب الرواية لا يتحمل مسؤولية فشل الفلم السينمائي أو المسلسل التلفزيوني الذي قام على روايته. فالرواية عندما تتحول إلى فلم سينمائي أو تلفزيوني تصبح مسؤولية المخرج الذي سوف يعيد قص الحكاية بقلمه الضخم المسمى كاميرا. هناك فرق جوهري بين الكتابة بالقلم وبين الكتابة بالكاميرا لا أعتقد أنه يخفي على أحد.
فاكس 4702164-YARA4U2@HOTMAIL.COM
|
|
|
| |
|