| |
أنت يوم الجمعة م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
|
|
يوم الجمعة في حياتنا يوم العطلة الأسبوعية.. أي يوم الراحة كما يفترض.. وهو يوم جميل لبعض الناس يمثل لهم فرصة لالتقاط الأنفاس.. أو الخلود إلى الراحة بعد عناء أسبوع شاق.. بينما يراه البعض يوماً فاتراً يدعو إلى الكسل وإلى البطالة والاسترخاء. ويوم الجمعة هو يوم فضيل في عقيدتنا.. خصه الله بصلاة الجمعة وأمر بالتوقف عن العمل والبيع إذا نودي للصلاة.. كما خصه بخطبة الجمعة.. وبدون الخطبة وانعقاد الجماعة تصير الصلاة ظهراً.. وقال عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم إنه خير يوم طلعت عليه الشمس.. وفي أحاديث اخرى انه اليوم الذي خلق فيه آدم.. ونجي فيه إبراهيم من النار.. وقيل إنه اليوم الذي تقوم فيه الساعة. كانت العرب قبل الإسلام تفضل يوم الجمعة على سائر أيام الأسبوع كما تشير كتب التاريخ؛ ففي عام (440م).. أي قبل ظهور الإسلام بقرنين استولى قصي بن كلاب على مكة من قبيلة خزاعة بدعم من قبائل عدنانية.. وكان يوم تجمعهم يوافق يوم الجمعة.. فأصبح ليوم الجمعة قدسية وحرمة في كل أسبوع. بمثل هذه التفاصيل يعد يوم الجمعة يوماً استثنائياً في الهمة والنشاط والعبادة.. لكنه وبكل أسف صار يوماً آخر ترتفع فيه ساعات الكسل ليس إلا.. فما الذي حوَّل يوم الجمعة من النقيض إلى النقيض؟.. وهل يمكن انتشاله منها؟. رعت هيئة السياحة حملة توعوية مهمة جداً عن أيام إجازة نهاية الأسبوع (خميس وجمعة) وكانت حملة عالية الجودة في الفكر والمضمون وطريقة التنفيذ ومرات تكرارها.. واعتقد انها قد أدخلت في ذهن كل فرد وبالذات الشباب منهم أهمية الاستفادة من ثلث حياتهم.. وهذا بلا شك امرّ في منتهى الأهمية.. لكن ماذا يستطيع الجهد الفردي أن يعمل؟ وما هي الجهات التي يمكن ان تشارك في تحويل يوم الجمعة إلى يوم نشاط واستنفار مرة أخرى؟ إن يوم الجمعة.. شأنه شأن أشياء كثيرة في حياتنا.. بحاجة إلى إعادة نظر في كيفية تنظيمه والاستفادة الفردية والمجتمعية منه.. وهو أيضاً.. شأنه شأن أشياء كثيرة.. لن يحقق شيئاً من الغايات العظيمة التي من أجلها توقف العمل فيه إلا بتغيير في المفاهيم والقيم المجتمعية وبتغيير في العادات المجتمعية الخاطئة التي أصبحت بحكم التكرار ومرور الزمن قيماً سلبية.. والأمر يكتنفه الكثير من المصاعب لأن المجتمعات في اكتسابها القيم والعادات مثل ماء البحر في اكتسابه حرارة الشمس، كلاهما يكتسبها بصعوبة ويفقدها بصعوبة.. فكيف إذا كان الأمر يتعلق بمحو عادة خاطئة وإحلال قيم صحيحة محلها.. لا شك انه يتطلب الكثير من التخطيط والجهد والوقت.. ولعل هذا ما دفع المفكر العربي (علي أومليل) للتأكيد على أن هذا سبب ازدهار ثقافة التراث واتساع قاعدة المهتمين به.. لأن الأمر يتعلق بالميراث الثقافي الذي يمثل جزءاً من ثقافة الفرد وثقافة المجتمع. لكن الأمر يبدو أكثر صعوبة لهؤلاء الذين يدعون إلى أفكار جديدة.. ومفاهيم مبتكرة.. ويرى انه لا سبيل لتغيير ثقافة المجتمع وتسريع معدل قبوله بالأفكار الجديدة إلا من خلال التربية والتعليم.. سواء من ناحية المحتوى العلمي للمفاهيم أو طرق التدريس. إن الجهود الحالية لتطوير وتحديث وتحسين وتغيير العديد من المفاهيم والقيم المجتمعية لا تعدو ان تكون جهوداً فردية.. فماذا عساه أن يصنع حارس المرمى النشيط إذا توقف باقي أعضاء الفريق عن أداء أدوارهم.. إن الأمر بحاجة إلى نظرة مجتمعية شاملة تشارك فيها كل الأجهزة المعنية.. الحكومية وغير الحكومية.. ويعرف كل منها دوره ومدة وكيفية تنفيذه حتى لا نترك الظروف تخطط لنا مستقبل ايامنا وقيمنا وثقافتنا وفق مقتضاها لا وفق حاجتنا وعقيدتنا.
|
|
|
| |
|