استبشر الكتَّاب والمثقَّفون بالخدمة الجديدة التي أطلقها موقع البحث العالمي (google)، وهي تشكيل النصوص العربية. ولا تخفى أهمية هذا البرنامج في اختصار الوقت على الكَتَبة في ضبط نصوصهم، وفي الوصول إلى السلامة اللغوية لمن لا يُحسن التشكيل.. بيد أن الآمال لم تلبث أن خابت بعد اختبار الخدمة وتجريبها؛ إذ الأخطاء فيها فاقت المقبول كثيراً، ولم تقتصر على المشتبهات، بل تجاوزت ذلك إلى البدهيات. فهل يُعقل أن يضبط البرنامج كثيراً من الألفاظ المجرورة بحروف جر صريحة بالضمة أو الفتحة بدل الكسرة! وهل يُقبل أن يُعطَف بحروف العطف الصريحة على المرفوع بالنصب، وعلى المنصوب بالجر.. وألا تتبع الصفةُ الموصوف في الحركات!!
إن نظرة عَجلى على البرنامج وأدائه تنتهي بنا إلى يقين أنه دون الطموح بكثير، ولا أدري هل حداثة عمره وريادته في بابه تشفعان لما فيه من وجوه الخلل والتقصير!
هذا، وقد نشرت المجلة الثقافية الصادرة عن صحيفة الجزيرة في عددها رقم (305) بتاريخ: 23 من ربيع الآخر 1431هـ، يوافقه: 8 من نَيْسان 2010م مقالةً مسهبة في نقد البرنامج وتطبيقاته، بقلم أستاذ النحو والصرف والعَروض بجامعة الملك عبدالعزيز (محمد عبيد) بعنوان: (التشكيل الإلكتروني بين التيسير واللبس وإفساد اللغة)، شغلت الصفحة (18) كاملة من المجلة!
وقد طالعتُ ما كتبه الأستاذ الفاضل فوجدته قد بذل جهداً طيِّباً مشكوراً، بيد أنه أطال وأفاض في جزئيات كان بمندوحة عنها، فوجوه الضعف والفساد في البرنامج -على ما أسلفت- أشمل وأخطر مما وقف عنده من قضايا فرعية قد يخفى بعضها على كثير من المتخصِّصين، فضلاً عن برنامج حديث ما زال ينقصه الكثير من التطوير والارتقاء!
وقد فرطت من الأستاذ الناقد بعض الهنات المغتفَرة في جملة ما أورد من صواب، ورأيت أن أنبه قراء مجلتنا الثقافية الكرام عليها؛ نصحاً وإفادة. ومنها ما يتصل بأحكامه، ومنها ما يتصل بأسلوبه ولغته.
فمن أحكامه:
- قوله في الفقرة (2): (عدم جزم جواب الأمر)، جاعلاً ذلك من المآخذ على برنامج التشكيل، وكان الأَولى ألا يوردَ هذه المسألة؛ لأن النحاة نصوا على أن الجزم بجواب الأمر ليس واجباً وإنما هو جائز، فرفعُ المضارع بعد الأمر يكون على الاستئناف، وجزمُه يكون على تقدير شرط، وقد صحَّت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ارحموا مَن في الأرض يرحَمُكم مَن في السماء) برفع (يرحمُكم).
- وقوله في الفقرة (5): (من ذلك قولنا: اشتريت الكتاب بدراهمَ كثيرةً أو كثيرةٍ)، مجوِّزاً الوجهين في ضبط (كثيرة)، مع أن النصب لا وجه له هنا؛ لأن (كثيرة) صفة لدراهم المجرورة بالباء، ولفظة (دراهم) من صيغ منتهى الجموع فمُنعت لذلك من الصرف، وحلَّت الفتحة عوضاً عن الكسرة علامة للجرِّ فيها، أما (كثيرة) فمجرورة مثلها، وليس فيها علة تمنعها من الصرف، فلا بد أن تكون علامة جرها الكسرة (كثيرةٍ)، على غرار (كأس) في قوله تعالى: {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ} [الواقعة - 18].
- قوله في الفقرة (7): (ومن هذا الخلط بين العلامات الإعرابية عدم قدرة المشكِّل الإلكتروني على نصب اسم إن إذا تأخر عن الخبر كما في قولنا: إن في البيت الطالبَ، وإن حق علينا نصرَ المؤمنين، حيث رفع اسم إن في المثالين هكذا: الطالبُ، ونصرُ، وهو خطأ). كذا قال الأستاذ الفاضل، مخطئاً المشكِّل الإلكتروني في رفع (نصر)؛ فهو يرى أن صواب العبارة: (إنَّ حقٌّ علينا نصرَ المؤمنين) والحق أن المشكِّل قد أصاب هنا، والأستاذ الكاتب تنكَّب جادَّة الصواب! إذ كيف يسوغ التقديم والتأخير في هذه الجملة؟! ولعل اختلط على الكاتب ما أورد من مثال بقوله تعالى: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم - 47]، بيد أن الفرق بين الآية والمثال واضح، ففي الآية العامل هو الفعل الناقص (كان)، وهو يعمل بالأصالة، في حين العامل في المثال الحرف المشبه بالفعل (إنَّ) وهو يعمل فرعاً لا أصالة، ومن ثَم لا يجوز تأخُّر اسمه إلا إذا سُبق بشبه جملة (ظرف، أو جار ومجرور) كما في المثال الأول: (إن في البيت الطالبَ). والله أعلم.
- قوله في الفقرة (8): (كذلك حالة ضبط الفعل الماضي المتصل بـ (نا) الدالة على الفاعلين، فإن ضبط الفعل يختلف بالحالة الإعرابية التي عليها (نا)... وإذا كانت في محل نصب كان الفعل مبنيّاً على الفتح، مثل: عاقبَنا الأستاذُ). لا ريب أن (نا) إذا كانت في محل نصب بُني الفعل على الفتح، ولكن هل تكون (نا) حينها تدلُّ على الفاعلين؟! الجواب: لا حتماً، فهي حينها تدل على المفعولين لا الفاعلين! ففي المثال (عاقبَنا الأستاذُ) الفاعل هو الأستاذ، و(نا) ضمير في محل نصب مفعولاً به، أي أن (نا) هنا تدل على جماعة من وقع عليهم فعل العقاب. ولو قال الأستاذ في صدر كلامه: (نا) الدالة على الجمع لأصاب، سواء كان هذا الجمع هو الفاعلين أو المفعولين.
ومما وقع في أسلوبه:
- قوله في الفقرة (3): (التقديم والتأخير سمة مهمة من السمات اللغة العربية)، وظاهر أن الصواب: سمة مهمة من سمات اللغة العربية.
- وقوله في الفقرة نفسها: (ولو كانت فاطمة هي الفاعل لتوجب وضع علامة)، الصواب: لوجب وضع علامة، أي: صار واجباً، أما (توجَّب) فمعناها: أكل الوَجبَة، وهي أكلةٌ واحدة في اليوم والليلة! وقد نبَّه على هذا الخطأ عدد من أهل العربية منهم محمد العدناني في (معجم الأخطاء الشائعة)، وصلاح الدين الزعبلاوي في (معجم أخطاء الكتَّاب).
- وقوله في الفقرة (7): (فمثلاً جملة: كتابه شيق ضبط المشكل..)، الصواب: كتابه شائق/ أو كتابه مُشوِّق. أما (الشيِّق) فمعناه: المشتاق. وممن نبَّه على هذا الخطأ: العلامة مصطفى جواد في (قل ولا تقل)، وزهدي أبو خليل في (نحو لغة سليمة)، والعدناني والزعبلاوي في كتابيهما المذكورَين آنفاً.
- وقوله في الفقرة (8): (تاء الفاعل من الضمائر التي يتعدد ضبطها ويتغير نوعية صاحبها ونوعه، تبعاً لهذا الضبط)، ولعل الأَولى أن يقول: ويتغير نوع صاحبها، تبعاً لهذا الضبط.
- وقوله في الفقرة (10): (حيث ضبط كلمة (ظالم) بالرفع (ظالمٌ) بالرفع، وهذا خطأ)، فيه تكرار لا داعي له! ولعله خطأ مطبعي.
- وقوله في الفقرة (11): (ولم يتعرف إلا على نمط واحد)، الصواب: ولم يتعرف إلا نمطاً واحداً. لأن الفعل (تعرَّف) في هذا السياق يتعدَّى بنفسه. ويُنظَر في هذا (الأخطاء الشائعة في استعمالات حروف الجر) للدكتور محمود إسماعيل عمار، و(دليل الأخطاء الشائعة في الكتابة والنطق) لمروان البوَّاب.
وبعد، فلم يبقَ إلا أن أشكرَ الكاتب الفاضل الأستاذ محمد عبيد على ما بذل من جهد في مقالته أولاً، وعلى سعة صدره لملاحظاتي ثانياً. ثم الشكر لمجلتنا الثقافية على إتاحة الفرصة لنشر هذا التعقيب، فالعلم رحم بين أهله، وإنما يزكو بالمذاكرة والمدارسة والنقد.
الرياض