وُلد فلم يجد حتى ملعقةَ خشب؛ فالتمرُ بتقنين، واللحمة في الأضحى، واسمه ضمن قوائم الإعانات المدرسية، والثوب لا يتبدل طيلة عام، ثم أصبح صهراً للوزير، وملقباً بالدكتور، ومساعداً للمدير، وأميناً للمشير، ومشيراً، ورجل بر وخير.

مسيرةُ كفاحٍ أدخلته «المعهد العلمي» من أجل المكافأة، وحاز شهادة المعهد السعودي في سبيل الصِحافة، وتخصص فيها فغادرها، واعتمر لقب «جامعي» فتوظف مديراً للعلاقات الدولية، ولا تنسى ذاكرته دور الوزير الإنسان «عبدالرحمن أبا الخيل» الذي طلب منه خلع البشت قبل التفاهم معه، وكانت النتيجة وظيفة مرموقة في العلاقات الدولية بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية.

أشار إليه الأستاذ «عبدالله شباط» حين تعاون معه لطباعة صحيفته (الخليج العربي)، وكان قد التقى به عرضا في أحد شوارع الرياض، وعمل في مجلة اليمامة كما كتب فيها، ورعى بحثه «الجامعي القاهري» الأستاذ حسن قزاز في صحيفة «البلاد»؛ فأفصحت البدايات عن الهواية ثم حجبتها الهُوية؛ فحقق جانباً، وتعذرت جوانب.

اضطُر- لصدام مع رئيس قسم الصحافة في جامعة أميركية حول هجرة يهود لفلسطين - أن يغير تخصصه للتربية في الماجستير وللإعلام الجامعي في الدكتوراه، ثم يستأثر «بمكتبين وتخصصين» في جامعة الملك سعود، وظل على تواصله معها حتى بعدما صار «شورويا»؛ فقد آمن بدور الأستاذ الجامعي بعد التقاعد كما قبله.

أول من حمل درجة الدكتوراه من «الزلفي»، ولعله أول من جلب لها «الراديو»، وجهازَ تحميض الصور، وافتتح بها مكتبةً أهلية، وأول من طالب- على الملأ- بقيادة المرأة للسيارة قبل ثلاثين عاماً، وساند نظام الساعات في الجامعات والثانويات، واقترحَ إدارة تعليم البنات عن طريق البنات، وقال عن الأندية الأدبية يوماً: «شف وجه العنز واحلب لبن»، ونادى بالتنسيق بين أجهزة التعليم المذكرة والمؤنثة، وبتغيير التوقيت «الغروبي»، ووضع لقبه «مشرق»- وكان وصفا انتقادياً من أحد بني أبيه لكثرة أسئلته التي تستدعي «الشرقة « - توقيعاً له دون أن يرى فيها عيباً.

رجلُ مبادراتٍ من هذا النوع تبدل مساره برغبته وبدونها، لكنك تقرأُ فيه «قلِقَ» -بكسر اللام- المتنبي؛ فكأن الريح تحته يميل بها وتميل به، ولم يره جيلُنا ومن تلا بهذه الصورة المشاغبة التي سجلها تاريخ «إشراقاته» الصحفية فلعله هدوء العاصفة حين تجتاز الفيافي والمنافي.

سعى إليه صاحبُكم فكان ضيفَه في صفحته: (قراءة في مكتبة 1985م)، وكان حفيا، ثم جمعتهما رحلة «حضرموت ووادي دوعن» فامتد لطفه وذوقه للجميع؛ يقدمونه للإمامة، ويبتدرهم وقت الفلق، ويميل للصمت؛ إذ أغناه القلم -طيلة عقود- فقال ما شاء، ثم شغلته منصةُ الشورى وأقنعته أنْ «ما كل ما يُعلم يقال»، وربما هو العمر أفتاه «ولم يفتئت» فآثر التأمل واقتنع بالأمل، ولم يعد ذلك الكاتبَ المثير الذي فجر -في زمن التواري- قضايا فاصلةً في المسيرة التنموية، وإن امتلأت زواياه بالمشكلات المجتمعية.

الدكتور حمود بن عبدالعزيز البدر ولد في «الزلفي» وتخرج في الدفعة الأولى من أول مدرسة حكومية أنشئت فيها «المدرسة السعودية» (1367 هـ)، ووصل سعيه بوعيه حتى صار علامةً إدارية وإعلامية، وهو -في سبعينه اليوم- نشط، دؤوب، مشارك في مؤسسات المجتمع المدني، يكتبُ ويحاضر ويفتح بيتَه وقلبَه فلا يُرى إلا مبتسماً، هادئاً، محاوراً بلطف، معنيا بقضايا الإنسان الضعيف والفقير واليتيم.

التعب يستدير نجاحا.