يبدو لي أن سؤالي الذي فاجأت به الأستاذ محمود في الحلقة السابقة ترك لديه انطباعاً من نوع خاص، فقد أرشدني إلى كتاب عن المعلقات، وأين يباع. لكن إجابته تركت علامات استفهام في ذهني، كماء الذهب الذي كتبت به القصائد، وتعليقها على أستار الكعبة، ليقرؤها الناس، وهذا مناقض لما عرفناه عن العرب أنهم لا يقرؤون ولا يكتبون، فكيف لهم بقراءة المعلقات، ومن هو الشخص أو اللجنة القادرة على تحكيمها، على هذا المستوى؟؟، وهل السوق تجاري كما نعرف عن الأسواق؟؟، أم أنه أدبي أخذ هذا المسمى؟؟، كانت أسئلة كثيرة تدور في ذهن طالب في السنة الثانية المتوسطة، أي في المستوى الثامن من الدراسة، لا يعرف إلا الأدب الشعبي، مما يدور في مجالس السمر بين الكبار، وما عليه إلا لاستماع والقيام بالخدمة، وإن تعدت ثقافته ذلك فلن تتعدى القصص الشعبي، الذي يتردد على ألسنة العامة، مثل: (سيف بن ذي يزن، والمهلهل، وأبو زيد الهلالي، وعنترة بن شداد)، وهي الكتب المطبوعة آنذاك، أما روايات الإسلام لجرجي زيدان، فقد منعه أحد المدرسين من قراءتها، لأن مؤلفها نصراني..... يطعن في الإسلام، على حد تعبير مدرس العلوم!!، وظهر السؤال الذي ستحسم إجابته كل التساؤلات، أين أجد مصدر هذه المعلقات العكاظية الذي ذكره لي الأستاذ محمود، ولم يخطر ببالي إلا مكتبة التعاون الثقافي في الهفوف، المكتبة التجارية الوحيدة في الأحساء - على كبرها واتساعها، أسسها الشيخ عبد الله الملا -رحمه الله- وهو أول سعودي يحصل على شهادة البكالوريوس من الهند، في اللغة العربية،1942م، وكنت أشتري منها مجلات الهلال والعربي الكويتية، والأديب اللبنانية أحياًنا، وكان مهتماً بكتب التراث، وأسرعت في اليوم التالي لزيارة المكتبة فوجدت كتاب المعلقات واشتريته، وكان لحسن الحظ أن الإجازة على الأبواب، وإلا ستمنعني أمي من قراءته، بل ستشجعني على ذلك ما دمت في الإجازة، وحفظت من المعلقات أغلبها مما توفر في كتاب الأعلم الشنتمري، من دون معرفة معاني (الجلمود، والمكر والمفر، والأكنات..... ومولى المخافة)، ولكن قصيدة الأعشى أعجبتني بسبب هريرة!!! فحفظتها. وبقيت عكاظ في ذهني مكاناً مجهولاً، وتغيرت نظرتي عما كان يردده المحدثون عمن سبقهم، حول تخلف العربي، الذي لا يعرف إلا الغزو والسلب والنهب. ودفعتني هذه الحادثة إلى قراءة تاريخ الجزيرة العربية، فعرفت الملوك والأقيال، وعثرت على كتاب وهب بن منبه (التيجان من ملوك اليمن) وكتاب الأصنام لابن الكلبي، والمفصل في تاريخ العرب لجواد علي، وغيرها. ووجدت أن هناك كثيراً من التجني على العرب، وتقليلاً من قيمتهم، والرسول (ص) يقول: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وأخيراً وجدنا مكان عكاظ، ووجدنا الخلافات حوله، ولم نجد في مهرجان سوق عكاظ، من يثبت أو ينفي هذا المكان أو يثبته ببحث علمي، وإن كان هناك من تكلم في الدورات السابقة، فذلك لا يكفي بل يجب في كل سنة إيجاد محاضرة أو اثنتين عن المكان، كما يجب أن يكون هناك محاضرات عن الزمان المختلف عليه إلى اليوم، في أي شهر كان يقام؟؟، ونحن نعرف أن الرسول الكريم جاء إلى هذا المكان ودعا الناس فيه، وجاء أعداؤه بعده متربصين بما قال نافين دعوته، فهل الأسلوب العكاظي هو ما يتم اليوم؟؟ لم نجد لذلك خبراً كما عرفنا، يقال إن الشعراء كانوا يلقون قصائدهم أمام الحكم المعتمد (النابغة الذبياني)، فهل ألقى شعراء عكاظ اليوم قصائدهم في السوق أمام الجمهور ليشاركوا في الحكم على القصيدة؟؟، وهل عكاظ اسم فقط ليس له مدلول أو أنه اسم يدل على ثقافة معينة في زمن معين؟؟ وكانت المسرحية التي قدمت لا تمت إلى عكاظ ولا إلى الشاعر طرفة بن العبد بصلة، ما عدا القصة المعروفة بينه وبين ملك الحيرة، وكان الأجدر بها أن تكون مسرحية شعرية، أما الشعراء الذين وجدناهم هذا العام (وأقسم بالله أنني لا أعرف أحداً منهم) حتى بزيع الذي سمي شاعر عكاظ، لم أقرأ له أكثر من نظرة سريعة في جريدة أو مجلة، ولم أحفظ له بيتاً واحداً، لكني- ومعي الكثير من النقاد والشعراء- وجدنا قصيدة الفائز الثالث أحسن من القصيدة الفائزة بالمركز الأول، وتستحق الأول، مع تقديري للزملاء المحكمين، فكيف يحصل ذلك؟؟، ووجدنا مهرجاناً تقليدياً لا يختلف عن غيره من المهرجانات، وأولها الجنادرية، كنا نريد حديثاً عن عكاظ التاريخ، فوجدنا روائياً يتحدث عن نفسه، وقد سمعنا هذا الحديث مرات عديدة، وكنت أتحدث مع أحد الإخوة الحضور عما سيقوله في حديثه، لأنه سيكرر نفسه ولا شك، فهل كان في عكاظ راو حداثي؟؟، وشاعر يتكلم عن تعلمه للشعر الذي لا يأتي بالتعلم!!، أين العلماء، وأين الأسلوب العكاظي؟ كل شيء في عكاظ مستنسخ من ملتقيات ومهرجانات سابقة. أين الإبداع الذي يدل على أننا في عكاظ التاريخ؟ ومن يدري لعل آل أعشى في العام القادم يأتينا على متن طائرة، والنابغة يحكم الشعر على الشاشة من قناة فضائية، كما يحكم شاعر المليون!!!
أرجو من اللجنة المنظمة إعادة النظر في تنظيم سوقنا (عكاظ، لنعرف الزمان والمكان)، ويكون سوقاً عكاظياً، وليس مهرجاناً عادياً، فعندنا من المهرجانات الشيء الكثير ذي النفع القليل، وكل عكاظ وأنتم بخير.
الرياض