لم يكن ذا اسم أو رسم؛ فقد درس الإدارة الصناعية، وعمل في صندوق تنميتها، وأسس مصنعا لدرفلة الحديد، ومن يتنقل بين «بترول الظهران» ودخان المصانع، ويعنى بالتجربة الكورية، فإن لديه اهتمامات لا تعنى بها عدسات المصورين وحكايات الوراقين ونجومية الإعلاميين.
في حياة والده استوطن الظل، وبعد وفاته آثر المظلة؛ فأدار المؤسسة الثقافية الفردية الكبرى بتبتل نادر جمع فيه انقطاع المحب لمعشوقه، وزهد الناسك في منطوقه؛ فما عُهد مصرحا، ولا اعتمر موشحا، وترك للمستشارين حرية العمل والظهور، وبقي المحرك من خلف الستر؛ فأهل مكة أدرى بشعابها، وهو منهم لكنه أصغرهم عمرا وأحدثهم تجربة؛ فلن ينازعهم قدرهم ومقدرتهم.
يحمل من الأدب أنفسه؛ فهو حيي رقيق رفيق، يضع الناس في أماكنهم، ومن هاب الرجال تهيبوه ، كما نظّر شاعر ذات إدراك، واستطاع، وهو القادم من خارج الوسط الثقافي - أن يرفع ذكر والده، وهو رفيع، ومن غيره استطاع إلا ثلة آمنوا أن الحياة أدوار لا يقف فيها عامل ومعمل، وإرث ووارث، وعطاء يمتد بالوفاء.
أدرك معن بن حمد الجاسر (1376هـ) أن «علامة الجزيرة» قد مر ليستقر، ووعى في تجارب مماثليه أنه لن ينهض وحيدا؛ فمأسس وأسس، وبنى وابتنى، وخطط - مع النخب الوفية - كي يبقى (حمد الجاسر) حيا؛ يتجدد ذكره، ويدوم شكره، وسعى ألا تطغى الحماسة فتنطفئ؛ فبقيت (العرب) و(الخميسية) و(إصدارات الدار) (المركز الثقافي) و(الأمانة العامة) أكبر مما كانت، وإن افتقدت وهج الفرد فقد استضاءت بعمل الفريق.
قدم الأستاذ معن نموذجا مضيئا على بر الابن بمشروع والده الثقافي، واتكأ على كبار ساندوه احتفاء بمسيرة شيخهم، وضمن الدعم «اللوجستي» المهم للاستمرار، ثم لم يستكثر، ولم يستأثر، واستقطب الكفاءات الجديدة بجانب الخبرات العتيدة، وطبق المتخصص في الإدارة النظريات فآتت الثمرات.
ليت لكل حمد معنه؛ فكنا سنظل على تواصل مع العمالقة الراحلين؛ وإلا فأينهم إلا من محاولات صادقة لم يتهيأ لها ما تهيأ لأبي محمد، ومنها ما قام به ابن الأستاذ الكبير عبد القدوس الأنصاري ويقوم به حفيده كي تبقى (المنهل) -المجلة الأقدم- نابضة بما رسمه أبو نبيه وجد زهير، وماذا لو التأم أبناء وأحفاد الكبار في مؤسسات قابلة للحياة؛ فلا تنسى الأجيال العواد والربيع وزيدان والعطار والسباعي وغيرهم كثير، ولئلا نخشى أن ننسى عبدالجبار والجهيمان والخميس وسواهم.
العقوق الثقافي بات الظاهرة، والبر هو الاستثناء، وربما التفتت وزارة الثقافة للرموز الذين لا أولاد أو مريدين خلفهم؛ فوفت بالإنابة عن ضمير الثقافة، ومن أجل مضمريها.
البقاء ذكر.