جاءتْ إليَّ صبيةٌ.. تتبسمُ
وتريدُ أن تحكي، ولكنْ تُحْجِمُ
فبفكْرِها عشرونَ ألفَ قضيةٍ
تتدافعُ الأفكارُ، مَنْ تَتَقدمُ؟
جَلستْ، براءتُها تَبِينُ بوجهها
روحُ الدعابةِ خلفَهُ مُتجهمُ
فسألتُ: ما بالُ العيونِ كئيبةً
ألِدُميةٍ ضاعتْ بهاؤكِ مُظلمُ؟
لا تجزعي، إني لأعرفُ دميةً
مسدولةً شعراتُها، تترنمُ
فتوجَّمتْ حُزنًا، وثارتْ تشتكي:
أواهُ، ما همِّي على ما تَزعُمُ
أواهُ، أمَّيَ ما أقولُ بوصفِها
أصداؤهَا في خاطري تَتَراكَمُ
في ليلةٍ، كانَ الهلالُ يُنِيرُنا
وسُكُونُها سحرٌ بديعٌ مُلهِمُ
كُنَّا نُسامِرُ بعضنا في فرحةٍ
ونُنَاغِمُ النجمَ المُضيءَ، ونَنْعَمُ
فَبَدَا الغُبارُ يثورُ حولَ بُيُوتنا
وصُراخُ طفلٍ لا يملُّ، ويَسأمُ
وسَمعتُ قَصفًا مُرعبًا مُتتابعًا
لم ندرِ إلا، واليهودُ يُهاجمُ!
دخلوا علينا دون إذنٍ، وَيْحَهُم
أوَ يجهلونَ وُجودنا؟، لا أعلمُ
فأصابَ أمِّيَ طلقتينِ برأسِها
وتوالتِ الطلقاتُ منهمْ تَرجُمُ
فَسقطتُّ مِنْ هَولِ المُصيبةِ، وارتَمى
جسدي عليها دونَ وعيٍ ألثُمُ
أمِّي.. خُذِي قلبي، ولكنْ فاثبُتي
إنْ تذهبي عني؛ يحلُّ المأتمُ
لكنَّ نزفَ الجُرحِ أطلقَ رُوحَهَا
نحوَ السماءِ لها الشهادةُ مَغنَمُ
فَغرقتُ في بَحْرِ البُكاءِ وحيدةً
لا والدٌ يأتي، ولا هِيَ تَقْدُمُ
واليومَ زادَ الجُرْحَ ما قد أعلنوا
أنْ حَيَّنَا المنكوبَ سوفَ يُهَدَّمُ
قل لي إذا عماهُ، كيفَ تريدني
أنْ أستريحَ بدُميتي، يا مُسلمُ؟
فأصابني خَجَلٌ أشلَّ جوارحي
لا أستطيعُ مهابةً أتكلَّمُ!
ومضى شريط الذكرياتِ بخاطري
حينًا يُعاتبني، وحينًا يَحْلُمُ
وتَذَكَّرَتْ عينايَ حالَ شبابنا
الحالُ يُرثى، والمهانة تُؤلِمُ
وسَمِعْتُ منها زفرةً مكتومة
وكأنَّها الإعصارُ جاءَ يُدَمْدِمُ
صَرَخَتْ تقولُ: بأنَّ أمِّي شهيدةٌ
وأبي أسيرٌ، والمصيرُ مُحَتَّمُ
ما لي بعيشٍ بعدهمْ، إنِّي على
آثارهمْ سأسيرُ، وليأتي الدَّمُ
فضممتُها نحوي، وقلتُ: صَغيرتي
إنَّ المهانةَ لا تدومُ، وتَجْثمُ
فَلأنَّ أرحامَ البطولةِ حيةٌ
لن تستريحَ، وما ظننتُ سَتَعْقُمُ
****
يا مسلمونَ.. أما كفانا ذلةً؟
سبعونَ عامًا، ما لنا لا نَفْهَمُ؟
سبعونَ عامًا، ويلنا ما نستحي؟
وعدونا من حالنا يَتَهكَّمُ
نرجو سلامًا، من يُسالمُ ناقضًا
للعهدِ، معروفُ الخيانةِ، مُجْرِمُ؟
يا قدسُ، يا أرضَ البطولةِ، إننا
يومًا إلى الساحاتِ سوفَ نُيمِّمُ
فيصل بن محمد بن عبدالله الرِّبْدِي
vip1155@hotmail.com