بخط يده، وبحضور ملمس الورق الأصفر، وبرائحة السيرة الشعرية التي لا أخطئها أبداً، لم أستطع احترام كتاب الرياضيات الذي تمسك به يداي، أغلقته بنظرة اعتذار ساخرة!
نفيته دون الحاجة لأمر سلطاني، وانتشلت نفسي من استذكار مسائي قاس لامتحان الغد في الصف الأول الثانوي، فبحضرة ألقه لم يعد للأرقام مكان في عقلي، أتذكر جيداً خطه الدقيق،و كيف أمسكت بالصفحة الأولى فوجدت نفسي بالصفحة الأخيرة من كتابه الذي لم ينشر حينها بل ولم ينشر حتى اللحظة!وما أكثرها الأوقات التي نجد أنفسنا فيها مفتونين بكتاب ما!ولكن فتنة ذاك المساء لم تكن بين دفتي كتاب فحسب، بل (أثر) عجيب أصاب ابنة الثانوية يومها ف (لمسودة) كتابه التي حضرت بمحض إرادتها دون طلب ودون تمرد نكهة مختلفة، وللمفاجأة متعة لا أقاوم لذة استرجاعها حتى وأنا أكتب حرفي هذا.
يصعب علي نسيان ابتسامات أخفيتها عمداً وأنا أتأمل رسمه لشخصية «عيده» معلمته البدينة جداً والمخيفة جداً في «الكتّاب» بصغره،مرتبطة ارتباط أستغربه كثيراً بتلك الليلة التي يعقبها امتحان يتربص بي، قرأت وقرأت لتتوالى أحداث سيرته الشعرية ملقية علي سحر حياته ما بين (حمص) و(الرياض)، مجسدة أحداث وإشارات ومشاعر اختزلها عنوانه (بقية الألق من عمر تولى)، وتولى...
سمعت بصمت قبل عدة أعوام خبر وفاة صديق والدي الدكتور محمد أديب جمران رحمه الله،صاحب (الألق) والصديق المثقف والإنسان،وتذكرت فوراً «عيده» ونبض تلك الليلة وهدوءه المميز وخطوطه (الحمراء) على مقالاتي حينها، بل وحتى جنون اللحظة التي علمت فيها أن من يحمل الدال ويملك تاريخاً من تأليف الموسوعات والقواميس يقرأ بابتسامة ملاحظات ابنة الثانوية على مسودته، بل وينفذ بعضها بتواضع (الأستاذ)!
غريب أمر هذه الذاكرة تحتفظ بالصورة والأثر وموسيقى اللحظة دون حاجة لقرص مدمج يضعنا تحت رحمة فايروس صغير!
ذاكرة تأتي إلينا قبل أن نشرع حتى بالبحث عنها.
تلميح:
قالوا كثيراً «خانتني» الذاكرة..ولكنها وبأمانة أخلصتْ لي!
kimmortality@gmail.com
الرياض