تلتقي «البنى الأساسية» للروايات الثلاث المنشورة في هذا المجلد، حول ما يمكن وصفه بمحور «التناص الحياتي» بين السارد وسردياته، فيتبدى لنا تماهي الروائي مع حياته في أعلى ذرى تتشابكها، من خلال شفافية المكاشفة والتدفق العفوي لسرد الحدث، ورسم المكان والشخصيات، بحميمية لافتة.
ف «الوسمية»، كأول تجربة روائية للكاتب، تتسم بوجدانية العلاقة بين الكاتب وموضوع نصه، بما يحفزه على رسمها لغويا وفق «لغة المعيش اليومي» في مجتمع القرى، التي كانت تشكل «تعاونيات» حياتية طبيعية، تحكمها وتتجلى عبرها جماليات ومدلولات العلاقات البشرية في أي مجتمع قروي بسيط، يعيش على إنتاج معرفته بذاته، وإنتاج خيراته لنفسه، وإقامة علاقاته المتوازنة بين أفراده، ومع المحيط المجاور.
ولذا يغدو توظيف «لغة المعيش اليومي» - التي سكّ مصطلحها هنا الدكتور معجب الزهراني - كتعبير عن رغبة عاطفية دفينة، في إيجاد معادل فني قادر على الاحتفاظ بالذكرى «الإنسان / المكان» من خلال تكريس البلاغة الخاصة لتلك اللغة اليومية البسيطة، في كتابة النص.
وهذا المنحى المختلف هو ما جعل رواية «الوسمية» تأخذ موقعها في الحقل الروائي المحلي والعربي ( اتفاقا و افتراقا) منذ البدء.
أما رواية «في عشق حتى» فإنها نص إبداعي، تتشاكل فيه «عذرية عشق قيس وليلى» ولذة الحرمان الذي عاشاه، مع تأملات العلامة الفقيه «ابن حزم» لحالات الافتتان والتوله في طوق الحمامة»، لتفصح جذور تلك الأمثولات العاطفية عن أشباهها المعاصرة في افتتان العاشق بمعشوقته، فكرةً كانت، أو حلماً، أو امرأة، عبر تجليات عشق الروائي ل»حتى» !
وحين نصل إلى الرواية الثالثة «المغزول» فإننا سنقرأ حالة أخرى من إبداع الذات لكتابة حياتها في عمل مختلف، يواجه فيه الروائي موته، بل ويذهب إلى ما هو أبعد من ذلك في رؤية «ما بعد الموت»، لنمضي معه في هذا النص لمعايشة أشد لحظات الألم،وفقدان الوعي، ولقاء الموت وما بعده، ومن ثم عود ة الروائي إلى الحياة، محملاً بنقض تراجيديات الأساطير والواقع التي يحملها الإنسان في حياته.
ولعل من الصدف العجيبة والدالة أيضاً، أن يعيش «عبد العزيز مشري» هذه التجربة ويكتبها روائيا ً في نفس الفترة التي عايش فيها شاعرنا العظيم « محمود درويش» تجربة» مواجهة الموت»، وإبداعه لملحمته الشعرية المتفردة «جدارية محمود درويش» في عام 1999م!!
****
أصدقاءنا
بهذا المجلد الثالث من «الأعمال الكاملة «للراحل الباقي» عبد العزيز مشري» يسعى»أصدقاء الإبداع - أصدقاء عبد العزيز مشري» لتقديم أعماله الخصبة، والمتعددة الاهتمامات والسمات الإبداعية، إلى قرائه والمهتمين بإعادة التأمل فيها وقراءتها نقدياً، ليبقى صوته الإنساني والوطني حياً كما يستحق، في سيرته العطرة، وفي غيابه الحي وحضوره بيننا.
وتبقى كلمات للتاريخ،ولذكرى الراحل، ورغباته، تستدعي منا الإشارة إلى أننا قد أجرينا بعض التعديلات الطفيفة على عبارات من رواية «الوسمية»، و رواية «المغزول»، تقديراً للضوابط الاجتماعية (التي نعرف أن سقف حرية التعبير الإبداعي في المملكة، قد تجاوزها، ولكن!!!)، آملين - بحنان خالص - أن يسامحنا «عبد العزيز» على ما قمنا به من اجتهاد!!
علي الدميني - أحمد مشريمن أعضاء مجموعة «أصدقاء الإبداع- أصدقاء عبد العزيز مشري»
* الخبر