هكذا ألقى بي حظي التعس، يوم قررتُ تهذيب مظهري - ذقني - التي بدأت كشجرة طلح أغصانها تمتد خارجاً.
سرعان ما خرجت من بيتي واتجهت إلى محل حلاقة صغيرة.. وعلى الفور نظرتُ لأرى عاملاً يبدو من سحنته السمراء المحترقة أنه آسيوي.
تململتُ في بادئ الأمر عن فكرة تبديل مظهري؛ وانتابتني مساحة من التردد سرعان ما نفضتها.
جلستُ أمام كرسي أمام مرآة بدت زاويتها متصدعة بعض الشيء.
دقائق وإذا بالعامل يطوق عنقي بقطعة بلاستيكية، بادلته ابتسامة شاحبة تساءلتُ: في نفسي: ربما هو الحلاق الذي سيعتني بمظهري.. دفعتُ من رأسي الأفكار الغبية التي استحوذت عليّ.
نظرتُ إلى شعر ذقني وهو يزهو متناثراً فوق خدي.. لحظات وأمسكْ الحلاق أدواته وعلى الفور بادر عمله دون أن يتفوه بكلمة.
أما أنا فقد سبحت بي الأفكار الهلامية وأخذتْ تتلقفني بين مدٍ وجزر.
ما لبثت أن صمت أذني. وتراءى لي دوامة تجذبني إلى عالم وحلٍ تُعتمهُ الأشباح في رأسي مساحة يغلفه الصخب..
بينما أخذت أنفاسي تضيقُ وتتّسعُ.
في هذه الرحلة القصيرة كان العامل قد أنهي تهذيب ذقني وقف هُنيهة وكأنه يستجمع أفكاره، ثم بدأ المرحلة الثانية بتنظيف بشرتي.
حركتُ رأسي يمنة ويسرة لكنه أمسك به مثبتاً إياه. حينها سلمته نفسي طائعاً أغمضتُ عينيّ، لأرى خواء ضيقا، شبحاً يطل برأسه.
مرتْ اللحظات بطيئة وأنا بين يديه، بدأتُ أشعر بوخز في وجهي.. تأملت يده كان ممسكاً فرشاة خشنة، لم أستطع أن أتأملها جيداً .
واصل ضغطه على وجهي، كنت أتألم بصمت.
فتحتُ عينيّ لبرهة، تأملت الأداة التي استخدمها لتنظيف وجهي.
كانت فرشاة تلميع أحذية..
فرشاة تلميع أحذية !!
كان يضعها ويطليها بمادة ذات لون أبيض.. ويحركها في اتجاهات مختلفة .
كنتُ أصر على أسناني التي كادت تنكسر من شدة الألم.
مضت النصف الساعة عصيبة أبطأ مما أتخيل كأنها سنة..
بعد أن أنهى تعذيبه أمسك حُنجوراً شبيهاً بعلبة مدببة. وأخذ ينثر فوق وجهي طبقات من البودرة طامساً ملامحي ببياضها، أما أنا فقد انتابني إحساسٌ أجوف، وحالة من الذهول تسربلت به.
قمتُ على الفور دون أن أنظر أنظر للمرأة كي لا يرعبني مظهري..
دفعت له قيمة ما طلب بلا تردد، وخرجت من باب محله.
وإذ بحرارة تلفحُ وجهي تصفعه بشراسة.. كان الألم في البداية مجرد وخزات عابرة حتّى صار عميقاً.
وعلى الفور ركبت عربتي لحاجتي لهواء المكيف البارد علّه يمنحني بعض برودته .
مضيتُ إلى منزلي..
توجهتُ مسرعاً إلى المرأة وأنا أرتعد خوفاً..
نظرت ملياً !
هالني شكلي من تلك الثقوب التي أحدثها في بشرتي، تراءى لي ألوان قوس قزح فاقعة امتزجتْ حتّى أصبحت لوناً واحداً . أو ربما قطعة فاكهة- فراولة - استلقتْ فوق وجنتي، عكستها المرآة لي.
وليس وجهي الذي أعرف معالمه جيداً.
لم يكن في مقدوري أن أفعل شيئاً سوى أن قفزت في داخلي ضحْكةٌ مُنْتحبةٌ.. ندبتُ حظي التعس.. الذي قادني لماسح أحذية وليس حلاقاً.. حوّل وجهي لقطعة فاكهة. وأحدثْ فيه تشوهات لم تبرأ إلا بعد مرور مدة طويييييييييلة.
قررتُ بعدها أن أترك وجهي مغبّراً متسخاً يكسوه غِبار العالم بأسره.. وأحجم تعريضه لعبث ماسح الأحذية - يزعم أنه حلاق -؛.
وأبقى أدرك شيئاً أقلّه (لستُ قبيحاً !!)..