يعد (معرض الكتاب) منبراً من أهم منابر الفكر والثقافة التي تبلور الحركة الثقافية، وتلون توجهاتها، وتضيف إلى رؤاها، وتحرك ركودها، وتستقطب الأثير من تجلياتها، والعناية بشأن الكتاب عناية بالثقافة والأدب، وأسلوب من أساليب الارتقاء والتعبير الأمثل عن حضور الفكر والأدب في حياتنا ووجودنا وفي الأمسية التي أُقيمت ضمن برنامج (معرض الكتاب) مساء السبت 30-2- 1429هـ التي كان موضوعها:
عرض تجربة الإصدار الأول للأقلام التالية:
1- أ. د. إبراهيم الفوزان (من المملكة العربية السعودية).
2- أ. د. ملكة أبيض (من سوريا).
3- أ. أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري (من المملكة).
4- د. نورة الشملان (من المملكة).
وقد تحدث كل منهم عن تجربته الإبداعية، أحداث وأصداء تجربته الأولى وتطرقوا إلى أصداء أخرى تتناغم مع الهواجس الإبداعية والتعبيرية للمبدع وما يتشبث بطريقه من معوقات، وبعد عرض تجربته الإبداعية تناول الأستاذ الدكتور إبراهيم الفوزان أشتاتاً من المعاناة التي يلقاها المعبر والمفكر في حياته، ومدى أهمية دعمه والوقوف معه، وقدم اقتراحه الموجه إلى (وزارة الثقافة والإعلام) التبني إصدار موسوعة ثقافية تتناول الشعر والشعراء في المملكة، مؤكداً ضرورة تمويل هذا المشروع لاستقطاب الشعراء من المناطق المختلفة لخدمة الباحث والقارئ وخدمة الثقافة والأدب بعامة.
وبما أنه لم تتحْ الفرصة في الندوة المنوَّه عنها لمناقشة هذا الاقتراح فأود أن أؤكد أولاً على أهمية تنفيذ هذا الاقتراح ليس بالنسبة للشعر والشعراء وإنما ليكون شاملاً لجميع المعبرين الذين أسهموا في خدمة الفكر والأدب والثقافة والتاريخ والفنون، والمجتمع.
أما الدراسات والكتب التي تناولت شعراء المملكة، ومنطقة الجزيرة العربية فهي كثيرة، ولكنها أيضاً غير شاملة، مما يحرض على المطالبة بالاهتمام بتكثيف الرصد والتوثيق، وعدم الاكتفاء بالجهود والاجتهادات الفردية المحدودة، ومن تلك الدراسات والكتب المرجعية المتاحة في هذا الاختصاص ما يلي:
1- شعراء نجد المعاصرون - أ. عبدالله بن إدريس.
2- شعر الحجاز - أ. عبدالسلام طاهر السياسي.
3- في الشعر المعاصر في المملكة العربية السعودية د. عبدالله الحامد.
4- الشعر في البلاد السعودية في الغابر والحاضر أ. أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري.
5- حركات التجديد في الشعر السعودي المعاصر د. عثمان الصالح الصوينع.
6- الأدب الحديث - تاريخ ودراسات - د. محمد بن سعد بن حسين.
7- أدباء من الخليج العربي أ. عبدالله أحمد شباط.
8- شعراء من أرض عبقر د. محمد العيد الخطراوي.
9- شعراء من الجزيرة العربية أ. عبدالله بن سالم الحميد.
10- الحركة الشعرية في الخليج العربي د. نورية الرومي.
11- الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية د. بكري شيخ أمين.
12- ما قالته النخلة للبحر د. علوي هاشمي.
ولا بد عند الوقفة عند اقتراح أستاذنا الدكتور إبراهيم الفوزان من أن أشير إلى أن الاهتمام بتوثيق الدراسات عن الشعراء في الجزيرة العربية يُطرح، وقد طرح في عدد من المناسبات الثقافية والأدبية، أذكر منها على سبيل المثال (مهرجان الشعر في دول الخليج العربي) الذي عقد في الرياض عام 1406هـ أو 1407هـ وقد استجاب الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز الرئيس العام لرعاية الشباب لتلك المطالبة في حينها بدعم إصدار (موسوعة عن شعراء الخليج) ولكن هذا المشروع لم يتحقق مثل كثير من المشروعات التي تعطلت فيها لغة الكلام والفعل، وربما كان أهم منها (جائزة الدولة التقديرية) التي توقفت من عام 1404هـ وكانت أحد الحوافز الطموحة للأدباء، والنقاد والباحثين ليعملوا تحت مظلتها ما يمكن أن يخدم الفكر والأدب والثقافة في توجهات متنوعة وعبر أقانيم شتى تعزر نهضة فكرية أدبية تؤكد حضور الفكر والثقافة، وتبرز مبررات التنمية الثقافية لتسهم في الارتقاء بالوعي الثقافي في المجتمع المتعطش إلى توفير الطاقات والإمكانات والمراكز والمعامل المشتعلة بحركة الوعي والتثقيف والتدريب والتأهيل، والتجديد لصياغة نماذج مثلى للإنتاج الذي يخرجنا من هذا الركود والرتابة والتكلس عبر انضباط مدروس وبرامج واعية رائدة تتزامن مع مبادرات التغيير والتجديد والتحديث في البنى الفكرية والثقافية والفنية والتعبيرية وعلى سبيل المثال أتوقف عند نماذج من الشؤون التي تبعث على الإحباط والسأم والخيبة والنعاس والتثاؤب، نعيشها كل يوم ولانكاد نحرك ساكناً، أورد نماذج منها على شكل تساؤلات:
أولاً: تحدث كثيراً عن (المسرح) ولا وجود له في الواقع لدينا، وبصفة (المسرح أبو الفنون) فأين الاهتمام الواعي به، وكثير من المجتمع يرفضه دون وعي ومعرفة بأهمية وجوده في حياتنا، أو الجهل بماهيته وقيمته في صياغة الوعي وتنميته، وتجديد الفكر وتلوين الثقافة.
ثانياً: غياب القنوات الإعلامية عن الحركة الثقافية والأدبية، وبخاصة (التلفزيون) والانفصام بين القنوات الإعلامية في دعم التوجهات الثقافية، مع ضعف الإمكانات ورتابتها في حقل الإذاعة والتلفزيون، وتواضع الكوادر والأسس والبيئة الواقعية والفنية بها، بالإضافة إلى تواضع الحوافز المادية للمتعاونين والمعدين والفنيين برغم ضرورتها وأهميتها القصوى.
ثالثاً: أهم منبر في مدينة الرياض (العاصمة) هو (النادي الأدبي) هذا المبنى المستأجر (المؤقت) الذي يفتقر إلى أهم مقومات البناء والاحتفاء والاستقبال لضيوف الوطن، أَلا يجدر بنا المبادرة إلى العناية والاهتمام به ليصبح علامة بارزة متميزة تليق بالثقافة ومستوى الفكر والأدب في إحدى عواصم الثقافة والحضارة والتراث؟ أَلا يستحق لفتة رائدة تنقله إلى مبنى يليق بالمكانة والدور والحضور الذي يضطلع به، ويطمح إليه المثقفون ويستقطب النماذج الإبداعية المثلى؟ وليتمكن من العمل بفعالية وأسلوب مشرف للوطن يحتضن الفعاليات والنشاطات الإبداعية الراقية المعبرة؟
رابعاً: عدم وجود رابطة تجمع رفقة الكلمة أو الفكر والأدب تحت أي مسمى شامل مثل (رابطة الأدباء) كما هو موجود في معظم الدول، من شأنها تنظيم العلاقة بين الأديب وزملائه أو بينه وبين المؤسسات الأخرى لخدمة المجتمع، أو بينه وبين الدولة للقيام بدوره بصفته عنصراً فاعلاً في الكيان المتكامل بأعضائه وعناصره الفعالة.
خامساً: عدم وجود نظام معين ينظم عملية التعاون بين الأديب والقنوات الإدارية والإعلامية والصحافية لضمان حقوقه الأدبية والفكرية في الإعداد والنشر.
سادساً: عدم وجود هيئة عامة تعنى بشون الثقافة والفكر والأدب والنقد بمسمى (الهيئة العامة للكتاب والثقافة) تتولى شؤون الأدباء والمفكرين ودعم نشاطهم وتنيم الفعاليات الثقافية والأدبية، والمعارض الفكرية مثل (معرض الكتاب الدولي) و(معارض الفنون التشكيلية) والنشاطات المسرحية والفنية لضمان انضباط عملية التنظيم والإعداد والمرجعية تحت منشأة اعتبارية مستقلة وفق ضوابط وشروط وميزانية ونظام معين.
وفي اعتقادي أننا إذا بادرنا إلى وضع سياسة ثقافية مدروسة شاملة لجميع اهتمامات الثقافة والفكر والأدب في بلادنا العزيزة استطعنا استثمار الطاقات المنتجة الطامحة إلى الارتقاء، وتمكنا من غرس أرضية ثقافية واعية تدرك مكانة الأدب والفكر والثقافة وأهمية دورها في نسيج المجتمع، وإبراز تجلياته الناهضة بتجدد أنواع الابتكار والإبداع التي تضيء الحياة بطاقاتها الخلاقة المسكونة بما ينفع الناس ويمكث في الأرض.