لا شك ان الفن الواقعي يحظى بإعجاب واهتمام زوار المعارض التشكيلية عودا إلى سهولة التعرف على المحتوى والفكرة التي يتضمنها العمل إضافة الى اهتمام الجمهور بقدرات الفنان في تسجيل الواقع الذي تم نقله للوحة، مع ما يحظى به هذا الأسلوب من اهتمام المختصين والناقد، اذ لا يمكن أن يمر اي منهم على أي عمل ابداعي متميز بأي أسلوب او نهج فني مرور الكرام ومنها الاعمال الواقعية إلا ويقف عنده مستعرضا أسس تنفيذه عودا إلى أهمية ما يعنيه تمكن الفنان من هذا المجال أو الأسلوب، فالواقعية تعني أن الفنان لديه مرجعية قوية في جانب الدراسات الأولية في الخط والتلوين ونعني بالخط هنا بناء العمل من خلال الرسوم الاولية المسماة الاسكتشات.
إلا أن هذا الأسلوب من الفنون التي أخذت نصيبها الكبير في فترات تاريخية سابقة وعادت من جديد في القرن الثامن عشر في إيطاليا، شملت فن الرسم والنحت، مرتكزة على مقاييس ونسب الفنون الإغريقية لم يعد لها وجود بعد ان اخذ الفن العالمي الحديث يتطور وفقا للظروف الثقافية والتبدل في مجالات الحياة وفي مقدمتها الثورة الصناعية.
الكلاسيكي.. والواقعي
ومع أننا نطلق على اللوحات التي تنقل الواقع تسمية الكلاسيكية تارة والواقعية تارة أخرى إلا أن لكل منهم واقعه ومضامينه فالكلاسيكية يراها البعض تشمل كل ما هو قديم في حياة البشر ابتداء بالتقاليد والقيم والفكر القديم مرورا بالأعمال الفنية في مختلف سبل التعبير من رواية وقصة وموسيقى حينما تتسم بالتمسك بالقيم الفنية الصارمة عند انجاز اي عمل فني، لوحة كانت او تمثالاً، بينما نجد ان الواقعية تعني نقل الفنان او الروائي للواقع كما يراه دون اضافة تلك القيم التي تظهر في العمل الكلاسيكي، فأصبحت الواقعية تمثل تحولاً في معالجة الموضوعات والمضامين التي يزخر بها الواقع الاجتماعي، حيث اصبحت حياة الطبقة الدنيا والواقع الإنساني معايشته من أهم مصادر الالهام في اعمال التشكيليين.
نعود من هذه المقدمة أو المدخل الموجز (جدا) ونقول جدا اعترافا بما لهاتين التسميتين من معاني ومفاهيم تحتاج لبحث مطول لندلف الى ما نحن بصدده في موضوع هذا الاسبوع وهو الاعمال التسجيلية اذا صح التعبير فهي لا تنتمي للكلاسيكية ولا للواقعية بمفهومها السابق الذي تعبر عنه الاعمال العالمية لكل من تلك المرحلتين في تاريخ الفن، فقد شاهدنا في معرض التشكيليات الاخير مع ما نشاهده باستمرار في اللوحات التسجيلية الفوتوغرافية نسبة لمصادر غالبيتها حيث يقوم الرسامون بتصوير المشهد ومن ثم نقله على اللوحة بطرق واساليب عدة منها اجهزة (البروجوكتر) او مكبر الصور واسقاطها عل اللوحة ومن ثم المرور على الخطوط الاساسية بالفحم او قلم الرصاص يليه مرحلة التلوين التي تضع الرسام امام الامر الواقع لاثبات قدراته، فنجد ان هواة الرسم يتميزون بالرسم باقلام الرصاص ويخفقون في التلوين، هذا لا يعني عدم وجود قدرات متميزة ومواهب وليست هواة تتفوق على أي وسيلة من الوسائل في نقل وتسجيل المشهد على اللوحة خطوطا وألوانا، هذه النوعية نشاهد لها أعمالا في الكثير من المعارض ومنها معرض التشكيليات الرابع الذي اشرنا إليه حيث برزت مجموعة من الأعمال التسجيلية او ما يمكن ان نعتبره الخطوات الأولى نحو مراحل اكثر تطورا واكتساب خبرات يتم الاعتماد فيها على وعي الموهوبات على الثقافة والبحث والتجريب انطلاقا من أساس صحيح يمثله تعاملهن مع أهم سبل نجاح التجارب القادمة وهو الرسم الأولي للوحة ومطابقة الواقع، ففي عدد من اللوحات ما يشير الى امتلاك من نفذها قوة التحكم في أدواتهن فوجدن في ما طرح من مواضيع سبيلا للتعريف بإمكانياتهن وقدراتهن ليضعن أمام المشاهد الكثير من علامات الاستفهام والتساؤل عن القادم مع استشراف واضح المعالم، ان من استطاع تجاوز هذه المرحلة واثبت موهبته الحقيقية لن يعجزه تطويرها.
يقين يذيب الشكوك
مع أن ما شاهدناه من تلك الأعمال لا يمكن أن يثير الدهشة نتيجة ما أصبحنا نحمله من معرفة طويلة بالأعمال الكلاسيكية والواقعية وحتى التسجيلية العالمية والعربية الحديث منها والقديم ويعرفها المتلقي العادي من خلال اللوحات المستنسخة التي تعج بها أسواق الإكسسوارات المنزلية ومحلات (البراويز) لكن الأمر يتعلق بمشاهداتنا للتجارب المحلية في هذا المجال دون مقارنة مستبعدين الأعمال الساذجة المتدنية التنفيذ التي لا تثير أي رد فعل يبعث التعجب ولا تدفع للإعجاب بينما تحدث صدمة للمشاهد.
فالأعمال التي سنتحدث عنها رغم بساطتها وقلة عددها تستحق التقدير وتبعث الأمل في أن لمن نفذها مستقبلا كبيرا في مجال الإبداع مقابل التجارب الفنية التي تأتي بناء على المصادفة أو التلقائية ليس لها خط سير واضح ولا سابق مرجعية يمكن أن يعتمد عليها الناقد او المتابع او الراصد تقدم في كل معرض أعمال لا ترتبط بسابقاتها وان وجدنا شيئا من الجديد فلن يكون أفضل من القديم، هذا القول لا ينطبق على من وهبوا القدرة على الابتكار وبدؤوا تجاربهم بعد نضج في فهم أبعادها مع أن هذه الفئة لا زالت في حدود ضيقة، الأعمال التي سنستعرضها اليوم لم يكن لها نصيب من الجوائز وهذا كما قلنا سابقا أمر يتعلق بلجنة التحكيم منها أعمال كل من نادية الحميد، حنان الهزاع، ندى الجريان، رحاب محمد، خديجة توفيق، رحاب عبد الله، رنا محمد الرصيص، سوزان اليحيى. مع تقديرنا لبقية الأسماء مشيرين إلى أن هذه الأعمال كانت مثار حوار متكرر بين عدد من التشكيليين يدور حول السؤال عن حقيقتها نتيجة افتقار الساحة لمثل هذه البدايات الجيدة.
ترقب للجديد
تلك الأعمال مع أنها تجد القبول من عامة الناس كما اشرنا في المقدمة إلا أنها لا يمكن أن تجد لها مكانا في واقع التحرك التشكيلي الذي يعيشه هذه الفن على المستوى العالمي ولكننا نأمل أن في قادم الأيام سنرى من هذه المجموعة أعمالا أكثر حداثة وتحولا نحو الابتكار ضمن إيقاعهن الجميل المتمثل في قوة بناء العمل أسسا وتقنيات.