ينظر إلى ما حوله بشيء من الزهو.. ربما قامته السامقة رسخت في ذهنه هذا السلوك المشين.. جلبابه المخثر ببقع خضراء زادته شموخاً.. ثمة بقعة سوداء التصقت في نحره، يحاول أن يواريها.. إلا أن قامته الفارعة تجعل من الاستحالة مواراة تلك السوأة.. ظلت البقعة السوداء لغزاً محيراً للعابرين وظل الركبان يتناقلون حكايتها أسطورة مدهشة.. بعضهم يقول: إن موجة غضب اجتاحت جوفه واستمرت تغلي كالمرجل.. لفظ بعدها مادة نتنة.. آخرون يقولون: إن طائراً ضخماً فرد جناحيه عندما استقر على هامة الجبل وبصق ليدنس قامته.. أما فئة ثالثة فأكدت أن الجبل ذات يوم.. ولسبب مجهول حزن حزناً شديداً ففاضت عيناه بالدموع لتشكل تجويفاً.. اصطبغ فيما بعد باللون الأسود.. ورغم ما تناقلته الألسن.. إلا أن الجبل ظل سامقاً ينظر إلى ما حوله بكثير من الأنفة ولم يأبه لتلك الأغصان الهشة التي تشيح بوجهها عنه ولم يكترث أبداً إلى الشويهات التي تنساق كحبات البرد من على خاصرته.. إلا أنه يرعد حينما تلامس الملاءة البيضاء جبينه يرتعش ويبتل جسده.
في ظهيرة يوم صيفي كانت الشمس تقدح كالجمرة.. تلسع بشعاعها تموجات الهواء.. تكتسي بعدها السماء عباءة فضية داكنة.. تتحول إلى سهام بلورية تضرب بعنفوان رأسه المشمخر.. أكثر من سر في هذه الاحتفالية.. حزمة خضراء لابدة على أديم الجبل.. راق له النقر المتواصل لترقص في تناغم عجيب فتلك الأجساد الغضة التي تقتات من جلده زادت من حنقه.. أرعد وأزبد إلا أن الرقص ظل مستمراً.. والسهام البلورية تقدح جبينه بضربات موجعة.. ثمة دماء باردة تنبجس من بين تشققات جلده لتنزف أوردته ويحتقن جوفه، جفل الجبل وراح في حزن عميق.. أنفه تهشم وغدا كزجاجة محطمة بفعل نزوة صبي أهوج.. ظل حزنه كشظايا متناثرة وظلت رقبته تكشف عن سوأة سوداء يلحظها العابرون. بدون اكتراث.