حوار: سعيد الدحية الزهراني - علي محسن مجرشي- تصوير: التهامي عبد الرحيم
الجزء الأول
لصياغة وتحرير الأحاديث الصحفية (الحوارات) يجد المحرر أشكالاً متعددة كلها تهدف إلى تقديم أبرز النقاط التي خرج بها المحرر كقيمة إعلامية جماهيرية من ذلك الحديث.
هنا.. مع الدكتور عبد الله الغذامي .. الحديث كاملاً كتلة من الأهمية والإثارة والمعرفة .. فيما يتصل بالقبيلة والمجتمع .. وقضية مزايين الإبل .
* ظهر مؤخراً العديد من الدراسات والبحوث التي تبحث في مفاهيم وأبعاد القبيلة والمجتمع، إحداها ما يطالعنا به د. عبدالله الغذامي في الزميلة (الرياض) السؤال: ما الذي نفهمه من بروز مثل هذا النوع من البحث والقراءة؟
- الظواهر الاجتماعية لا تنشأ فجأة ولا بالمصادفة، الظواهر موجودة بالطبع تمر بمراحل كثيرة جداً، تخفت في بعضها وتتطور في بعضها، ونحن في الجزيرة العربية في عصر التدوين كان يعتمد على أن القبيلة كانت موجودة بشكل قوي جداً مع وجود عناصر وعوامل أخرى بإزاء القبيلة، وكان الدور الذي تلعبه القبيلة منذ ما قبل الإسلام هو دور واضح المعالم على المستوى الاجتماعي وعلى المستوى الثقافي ثم على المستوى السياسي.
* ما هي العوامل الأخرى التي تأتي بإزاء القبيلة من حيث التأثير في التكوين المجتمعي سابقاً؟
- هناك أشياء كثيرة، مثلاً ظهور الدين أول ما ظهر الإسلام وحل محل الشعار القبائلي وأقام عنصر الوحدة الكلية بناء على المعتقد وتعامل مع الفئات البشرية على أساس وجود فئة مسلمة وفئات غير مسلمة، وبالتالي هناك نظام ينظر إلى الفئة المسلمة كدولة أو مجتمع ضد فئات أخرى غير مسلمة وفيه قوانين تضبط ذلك، ويتغير الوضع مباشرة بمجرد تحول الإنسان من دين آخر إلى الإسلام وبالتالي يكون جزءاً من الأمة، فشرط كونه من الأمة أن يكون مسلماً أو يكون ذمياً معاهداً فهذا نظام الأمة، أما في القبيلة فالوضع مختلف فإن الانتساب يكون عرقياً والانتساب العرقي لا يمكن للإنسان أن يغير عرقه وبالتالي فالقبيلة لا تقبل الإنسان إلا أن يكون من عرقها أو مشابهاً لعرقها كحليف أو أحلاف، ولهذا صارت القبيلة تنشط عندما تغيب المكونات الأخرى الدينية أو السياسية، فكلما ضعف المكون السياسي أو المكون الديني نشطت القبيلة، وكلما قوي المكون الديني أو المكون السياسي تراجع دور القبيلة لا ككينونة ولكن كعامل قيادي ومؤثر، وتتراوح الظواهر الاجتماعية والثقافية تبعاً لذلك.
وهذا جرى عندنا عندما جرى تأسيس المملكة فالوحدة الثقافية كانت القبيلة وهي واحدة من العناصر المساعدة في عملية توحيد البلد، بعد أن اتحدت البلد حلت الإدارة محل أي فئة أخرى صارت الإدارة توحد الفئات داخل عنصر الإدارة، إدارة المجتمع إدارة سياسية وإدارة الخدمات وإدارة التعامل بين الأطراف ثم بدأ بالتدرج البسيط يعود الحس القبلي، عودة الحس القبلي في بعض مناحيها هي عودة حيادية لا غبار عليها لكن في بعض مناحيها هي عودة عنصرية وهذا هو الضار، هذا ما ارتفع به لمصطلح القبيلة والقبائلية، هناك فرق مقابل الشعب والشعوبية إذا قلنا كلمة الشعب لا تستنكر هذا المصطلح لكن إذا قلنا الشعوبية ستشعر باستنكار المصطلح؛ لأن مصطلح الشعوبية يعمل أبعاداً عنصرية وتفريقية.
وفي المقابل أريد أن أطرح مصطلحي القبيلة والقبائلية بحيث تكون القبيلة مثل الشعب مصطلحاً محايداً لا غبار عليه لكن القبائلية مثل الشعوبية كلاهما مصطلحان غير محايدين يحملان انحيازات خاصة، وهنا لابد أن نقف عند الانحيازات.
* ما مدى هذا الانحياز؟
- يشتد في حالات ويتلاشى في حالات حتى مع الفرد نفسه حتى مع شخص بعينه، تجد هذه الانحيازات تشتد في بعض الحالات مثل من يقول شعراً مثل من يشتغل في إدارة أو جهة معينة، مثل مزايين الإبل ربما تكون مناسبة أحيانا للاشتداد في الحس القبائلي، لكن إذا جئت لنفس الشخص وهو يدرس في الجامعة أو يعمل في إدارة من الإدارات أو يذهب لمشاهدة كرة قدم ليؤيد فريقاً ضد فريق آخر لا تحضر الانحيازات بشكل واضح، وقد تنتقل إلى انحيازات أخرى، فتأييده لهذا الفريق يحمل معنى انحيازياً ضد فريق آخر لكن لا يحمل البعد القبائلي.
* كيف يمكن أن نفهم قضية التنمية وشمولية الوحدة التي هي شرط التنمية الأول في ظل تنامي الوعي الفئوي لدينا بوصفنا مجتمعاً قبلياً؟
- يجب ألا ننسى أن وجود الوعي القبلي مقابل وعي الوحدة يجب أن يسيرا معاً هذه نقطة، والنقطة الأخرى علينا أيضاً أن نأخذ باعتبارنا أنه من المحال أن ننشئ وعياً على حساب وعي آخر، بمعنى أن نلغي أحد الوعيين فهذا محال وبالتالي يجب أن نتعامل على وجود الوعيين معاً وفي آن واحد، لكن كيف نمنع أحد الوعيين من مزاحمة الآخر بمعنى أخذ وظائفه أو أخذ أدواره أو ما هو أخطر من ذلك بأن يحاول أحد الوعيين إلغاء وظائف الآخر.
* أي الوعيين أهم؟
- طبعاً الوعي الوطني الوحدوي هو الأهم، لكن لو حدث أن الوعي المصاحب بدأ يلغي الوعي الوطني الوحدوي فحينئذ نحن أمام ظاهرة تصبح خطراً، نلاحظ أحياناً في مجلس الأمة الكويتي مثلاً، مجلس الأمة في الأصل بنية ديمقراطية انتخابية لكن لن يفوت عن ملاحظة أي مراقب أنه يتخلله الانحيازات الطائفية والقبلية وهذه تؤثر على العملية الانتخابية وتؤثر على الديمقراطية لأنها تحرف وجهتها وتجعلها تخدم أغراضاً مختلفة قد تكون أغراضاً فئوية قد تكون أغراضاً مضادة للمشروع الكلي وحينئذ يجب أن نبدأ نتحرك ونسمي الأشياء بأسمائها فلا مانع عندي على الإطلاق مع مصطلح القبيلة لا مصطلح القبائلية تماماً كما أنه ليس لدينا إشكال مع مصطلح الشعب لكن لدينا إشكال مع مصطلح الشعوبية. في كل لحظة ننتقل من القبيلة إلى القبائلية نصبح أمام مشكلة، في كل لحظة ننتقل من الشعب إلى الشعوبية نصبح أمام مشكلة، في كل لحظة ننتقل من القوم إلى القومية نصبح أمام مشكلة وهذه هي المناطق الحساسة التي نسير فيها بين خطين أحدهما ضروري وطبيعي وحيادي إلى حد ما والآخر يخرج عن الضروري كأن ترى نفسك بما أنك تنتمي إلى المدينة الفلانية أو المنطقة الفلانية أو إلى الطائفة الفلانية أو القبيلة الفلانية أنك أفضل من أي شخص آخر انتماؤه غير انتمائك، وبينما تنسى أو أنسى أنا أو ينسى شخص آخر أن هذا الانتماء هو انتماء اجتماعي فطري نتج لظروف فهو وليد ظروفه ومصاحب لتلك الظروف فيجب ألا نجعل الظرفية التي نشأَّت بيئات متلائمة مع تلك الظرفية يجب ألا نجعلها تنسحب في حال غياب تلك الظرفية ونشوء ظرفية أخرى، فالظرفية التي نعيشها الآن هي ظرفية الوطن وليست ظرفية التكوين الريفي والقبائلي ويفترض أننا تجاوزنا هذه الظرفية إلى ظرفية الوطن، لا بأس من وجود تلك الظرفيات الأخرى كقيم انتساب، كقيم صلة رحم، كقيم علاقات إنسانية، كقيم إحساس ثقافي، إحساس، اجتماعي، كل هذه أشياء لا غبار عليها على الإطلاق ولا يمكن أن نقف في وجهها ولكن إذا تحول ما هو ثقافي واجتماعي لكي يصبح قانونا صارما كمبدأ تمييز بين فئة وفئة حينئذ تكون مشكلة.
* مثلت في حديثك بمجلس الأمة الكويتي.. ما هي الظواهر التي يستشعر من خلالها د. الغذامي محاولة إلغاء الوعي الفئوي لدينا للوعي الوطني.. بشكل محدد
- ليس ملاحظات دعنا نكون واقعيين أنت تقرأ مثلا في الصحف مقالات كثيرة أو رسوم الكاريكاتير أو تعليقات على شاعر المليون تلمس ملاحظات على مهرجانات مزاين الإبل تلمس أشياء تكتب عندما تأتي مناسبات تتعلق بطلاق أو زواج مثل قضية منصور وفاطمة تلك الحادثة التي فجرت كل الأسئلة طلاق رجل من امرأة بسبب أن طرفاً ينتمي إلى القبيلة والطرف الآخر لا ينتمي إلى القبيلة.
فإذا جاءت مثل هذه الأمور سببت هذا الإشكال الإعلامي على مستوى الصحافة، على مستوى التداول الاجتماعي، هنا نحن أمام إشكال لا يخلقه الباحث فأنا لا أقوم بخلق هذا الإشكال لا أقوم بصياغته وهو غير موجود أنا أقوم بقراءة شيء موجود، الناس تتكلم عن شاعر المليون، وتتكلم عن مهرجانات مزاين الإبل، تكلمت عن قضية منصور وفاطمة هذه مواضيع يفترض أن الناقد الذي يتعامل مع النقد الثقافي أن يشعر أننا نقرأ نسقاً يعبر عن نفسه ويتكلم النسق نفسه، فأنت بكل تأكيد لا تقبل ومعظم الذين يقرأون المقابلة لا يقبلون أن يطلق إنسان من امرأته لأن أحدهما ليس من نفس القبيلة، وهما متفقان على زواج شرعي وبينهما أطفال لا يمكن لأحد أن يقبل أن الطلاق يحدث بسبب علة شرط القبيلة.
هنا إشكال عندما تضحي بأسرة وبخلية اجتماعية حيث تضررت هذه الأسرة وأيضا تضرر المفهوم الاجتماعي ككل، قد تقول إن عائلة أحد الزوجين تضررت بهذا النسب الذي لا يرغبونه نعم أنا أعترف بهذا الواقع وهذا ضرر يصبرون عنه نفسيا ولكن علاج هذا الضرر بإيقاع هذا الضرر بهذه الأسرة الصغيرة وإحداث ضرر آخر أو الإضرار بالمجتمع ككل بإنشاء وتنمية فروقات في المجتمع وانحيازات ما أنزل الله بها من سلطان لا يقرها الدين والشرع، ولا تقرها الثقافة، ولا تقرها القوانين قوانين التعامل الطبيعية، ولا يقرها العقل كعقل ولا يمكن أن يبرهن عليها عقليا هذه كلها مسائل كلما بحثت عنها في شروط التعامل في المجتمع نفسه لا يمكن تجد لها أي مبرر، وبالتالي فنحن أمام مشكلة ومسألة تفرض نفسها نناقشها لكي نعالجها لكي نحاول أن نشفي أنفسنا منها أحيانا، بعض القضايا الاجتماعية تكون شبيهة بالفيروسات التي هي موجودة بالضرورة لكن يجب أن نتعامل معها لكي نقي أنفسنا منها.
* في قضية منصور وفاطمة ما هو الرأي الديني؟
لا نستطيع أن نقول الرأي الديني ولكن نقول رأي بعض الفقهاء يجب أن نتكلم عن رأي بعض الفقهاء فهناك فقهاء يخالفون هذا الرأي وهناك أمثلة في عصر الصحابة في سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، الرسول زوج مولاه زيد بن حارثة زوّجه من ابنة عمه ثم لما طلقها زيد وتزوجها الرسول لاحظ تبادل الزواج بكسر شرط النسب.. بكسر شرفية النسب.. الشرفية الوهمية، وحدث في زمن الصحابة أمثلة كثيرة، وحدث في التاريخ الإسلامي والعربي كله.. حدث في المجتمعات العربية الإسلامية خارج الجزيرة العربية في مصر، في بلاد الشام، في مدن شمال إفريقيا وليس كلها، هناك بيئات ما زالت تعاني في الأردن، في الجزيرة العربية.. بكل تأكيد بعض البيئات في العراق تُوجد بيئات لا تزال تعاني من هذا الإشكال وبيئات تجاوزت هذا الإشكال فهو إشكال غير طبيعي أصلاً بل إشكال افتراضي وليس حقيقياً.
* والرأي الديني الذي اعتمدته المحكمة؟
- المحكمة تعتمد على اجتهادات القاضي وتجد قضاة آخرين يرون رأياً مخالفاً لهذا الرأي، ونحن إذا تمعنا في مدونات الفقه الإسلامي وفي النصوص الأصلية سنجد أن هذا الشرط.. شرط النسب ليس شرطاً دينياً، لكنه شرط اجتماعي وثقافي قد يأخذ به بعض الفقهاء لهذا السبب.
* إلى أي مدى يمكننا أن نصف ما يطرح د. الغذامي حول القبيلة والمجتمع ب(الماضوي) كون د. الغذامي رمز الحداثة وصاحب مشروع النقد الثقافي الذي يقوم أصلاً على نقد المسلمات ونقض الثوابت؟
- ما أطرحه في مقالاتي في الرياض نقد للنسق لا نبتكر نسقاً ولا نصنعه ولا نوقظه من سبات والنسق موجود وهو فعَّال بشكل ملموس، والدليل أن الناس يتعاملون مع هذه الظاهرة بنفسية حساسة جداً وحساسية اجتماعية عالية جداً.. فهناك فئات اجتماعية تعاني معاناة كبيرة ومؤلمة نتيجة لهذا وتشعر بألم شديد.. ألم يمس كرامتها كفئة بشرية إنسانية.. وبالتالي يجب اعتبار ذلك فليس من مصلحة الثقافة ولا من مصلحة المجتمع أن يكون هناك أوجاع اجتماعية سببها وجود أنساب وليس من العدالة وليس من الصواب.. وأيضاً الناقد الذي يغفل هذه الأمور بمعنى أنه يغمض عينيه عن ظاهرة اجتماعية بوصفها نصاً ووصفها لغة، فالسلوك الإنساني هو لغة.. نحن نعبر بالسلوك الإنساني عن ذواتنا عن أحاسيسنا وعن مشاعرنا الداخلية فلا بد من البحث عن أسباب نشوئها وأسباب استمرارها ولا بد من قراءة هذه الأنساق ولا بد من الكشف عنها.
* سؤالي يا دكتور عبد الله عن المقاربة.. كيف يمكن أن أفهم هذا التحول الكبير من دراسة وبحث الوعي الحداثي إلى البحث والتأصيل في تفاصيل القبيلة والمجتمع؟
- نحن أصلاً ننطلق من أن الظاهرة الاجتماعية هي مشابهة للظاهرة الأدبية والفروق شكلية والواقع أن الظاهرة الاجتماعية هي نص كبير ونحن نقرأ هذه الظواهر.. هذه الظواهر ليست ماضية وهي تبدو كأنها ماضية وفي فترة من الفترات كانت ماضية، لكن في الواقع أنها عادت لكي تكون أشد أنواع الواقعية.. الواقعية المرة.
* ما هي سلبيتها وإيجابيتها؟ ما مدى السلب والإيجاب فيها؟
يجب ألا نقطع تماماً بثنائية السلب والإيجاب ففيها إيجاب وفيها سلب.. الجانب الإيجابي فيها هو الجانب الثقافي والاجتماعي وهذا مطلوب لا أمانع أن يكون للإنسان قبيلة ويحمل اسم هذه القبيلة ويعتز بهذه القبيلة.. هذا حق إنساني وطبيعي لأي إنسان، لكن إذا تجاوز هذا الاعتزاز إلى مرحلة الإساءة إلى الآخرين أو التقليل من الآخرين أو تحويل هذا الاعتزاز إلى قانون اجتماعي يميز السلوك بين الناس إلى درجة أن يطلق رجل من امرأته ويحدث فجوة.. هذا نوع من الإشكال وهو ليس إشكالاً سهلاً في حين أننا الآن نتعامل مع قضية خطرة في الوقت الذي يفترض فيه أننا نتقدم في عالم المعرفة وعالم الإنتاج المعرفي نمارس أشياء مضادة لمجتمع المعرفة ولا يمكن لمجتمع المعرفة أن يتحقق إلا إذا توفرت له شروط اجتماعية أساسية تثمِّن قيم الإنتاج وليس قيم المباهاة.
* ونحن نتحدث عن الوحدة.. وهي المحور الأهم.. لا أعتقد أنني أبالغ إن قلت إن الدكتور الغذامي يختلف مع الغالب الأعم في مسألة تأييده لبعض الظواهر التي برزت وهي تحمل بُعداً سلبياً واضح التأثير على الوحدة الوطنية، مثل مهرجانات المزايين ونحوها.. قيل في أحد تلك المهرجانات (دولة داخل دولة)..؟!
- قيلت نعم ونحن هنا في خطورة وهي أن نقع في انتقال سريع وعنيف ومباشر من السلب إلى السلب.. أحياناً تكون الظاهرة سلبية، لكن نقدها يأخذ باللغة السلبية.. يصبح الحوار بين سلب وسلب وليس بين سلب وإيجاب.. النقد يجب أن يكون إيجابياً يسعى لتأسيس وعي إيجابي وليس وعياً سلبياً، أنا لا يمكن أن أقف ضد مهرجان مزايين الإبل هذا مبدأ.. مهرجان مزايين الإبل ظاهرة ثقافية لفئة بشرية من فئات المجتمع تحاول أن تعبر عن نفسها بالصيغة الثقافية التي تراها ملائمة لها ومناسبة لإحساسها وانتمائها الثقافي والاجتماعي وافتخارها بذاتها.. هذا حق لكن في كثير من المناسبات يتحول الحق إلى باطل كما قال الإمام علي: كلمة حق أُريد بها باطل، هذا يحدث كثيراً.. يتحول الحق إلى باطل فيجب هنا أن تتدخل الأقلام، لكن لا تتدخل أقلامنا لكي تجعل الحق باطلاً إلى الأبد، بل لكي تميز ما بين ما هو حق وما هو باطل فنعطي الحق صورته الكاملة بوصفه حقاً ونركز النظر على الباطل لكي لا يفسد الحق.
مهرجان مزايين الإبل بالإمكان أن يكون مهرجاناً ثقافياً واجتماعياً لفئة تريد أن تعبر عن نفسها بهذه الطريقة وهذا حقها، لكن إذا تحول هذا إلى عنصر ينظر إلى الآخرين بسلب أو يُعلي من شأن القيمة الصفرية على سبيل النظرية التي تقول لا يكون لي وجود كامل إلا بإلغائك، نحن نقول لا.. بل يكون لك وجود تام بمساعدة الآخرين أن يكون لهم وجود تام أيضاً، فالوجود التام لا تكتمل شروطه إلا بالقياس إلى وجود آخر يحمل نفس الصفات الإيجابية مثل ما كان يُعطى من تعريف تقليدي للحرية أن حريتك تقف عندما تبدأ حرية الآخرين أنك حر ما لم تعتد على حرية الآخرين.. هنا أنت محق ما لم تعتد على حقوق الآخرين.. أنت حقك يصبح مبرراً وكاملاً ما لم يحاول أن يقوم على أنقاض الآخرين، هنا النقاط الدقيقة التي يجب أن نميز بينها.. يجب أن نعطي الناس حقهم في تمثيل أنفسهم إلى أقصى درجات التمثيل التي يرونها.. ويجب ألا يطغى هذا التمثيل على حقوق الآخرين في تمثيل أنفسهم أو بإلغاء تمثيلات الآخرين عن أنفسهم.. بمعنى أن أقول ما أمثل به أنا بنفسي هو الأرقى والأعلى، وما تمثله أنت ليس له أي قيمة وأقل ولا يساوي شيئاً.. وهنا سلبية الخطاب عندما يخرج الخطاب من إيجابيته وهي تأسيس صحيح على وقائع إلى نوع سلبي للاعتداء على خطابات الآخرين..
* (تجزئة المجزأ) كيف تفهم مبدأ السلامة والأمان وحدوياً بالنظر إلى الأبعاد السلبية المضمرة داخل هذه الظواهر؟
- لا كل في الدنيا إلا ويتكون من أجزاء. لا وجود للكل بدون أن يكون قائماً على أجزاء. لا وجود للكل إلا أن يكون وحدة تامة من عناصر. فالوجه مثلاً هو كلٌ للعينين للأنف للشفتين ...الخ، لو ألغيت أحد أجزاء الوجه تضررت الصورة الكلية للوجه، لذلك يجب أن ندرك أننا نحن نتكون من فئات ومن مجاميع ومن مذاهب ومن طوائف ومن أعراق ومن مستويات ومنطلقات. ولا ضير على أي عنصر من هذه العناصر بحد ذاته. ولا يجوز لأي عنصر من هذه العناصر أن يلغي العنصر الآخر. لكن في الوقت ذاته لا يجوز لأحد العناصر أن يعتقد في نفسه اعتقاداً كافياً بحيث يظن أنه قائم بذاته دون الآخر ولا قيمة للآخرين، أو أنه أعلى من الآخرين، أو أنه أرقى في دمه في تفكيره في نظرته. هنا نبدأ في لعبة النقائض، وإذا دخلت لعبة النقائض بدأت الأجزاء تتفكك، هنا الأجزاء لا تفضي إلى وحدة كلية شاملة إلا بأن يسهم كل جزء بما لديه من أجل هذا الكل. لكن أن يسهم الجزء بما لديه من أجل التميز عن بقية العناصر، هنا يبدأ الاضطراب بين بعض عناصر هذا الجزء في مواجهته.
* ألا ترى أن هناك خطورة ما؟
- ويجب ألا ننساق انسياقاً رومانسياً في التخوف من مشكلاتنا.
* هل كل من كتب أو انتقد مثل هذه الظواهر يعتبر أنه يتجه اتجاهاً رومانسياً في النقد؟
- لا، لكن يجنح كثير من الناس، ونحن نجنح بسبب حبنا للوطن، نجنح إلى أن نخاف من أي ظاهرة سلبية ونرعب أنفسنا مع أن الظواهر السلبية ستظل تظهر باستمرار. يجب أن يكون لدينا الشجاعة بأن نواجه هذه السلبية لا أن نخاف منها. فارق بين الخوف من هذه السلبيات ومواجه هذه السلبيات. وأنا أدعو إلى شجاعة المواجهة لا إلى خنوع الخوف. فارق كبير بين خنوع الخوف أو شجاعة المواجهة. ما أدعو إليه ما أكتبه ما أحاول التأسيس عليه هو شجاعة المواجهة، شجاعة البحث، شجاعة النظر، شجاعة أن نسمي الأشياء بأسمائها.
خذ مثلاً موضوع القبيلة، وهو موضوع ليس جديداً بل قديم، تذمر كثير من فئات المجتمع منه، لكن كان الناس لا يجرؤون أن يطرحوه ويتكلموا فيه ولا أن يفتحوه، كانوا يخافون حتى الصحف كانت تخشى أن تنشر مقالات في هذا الموضوع، حتى مقالاتي حينما بدأت في الكتابة في هذا الموضوع تعرض المقال لمطبات وإشكالات كبيرة أنا كنت متخوفاً.. فكثير من الأصدقاء الذين يتعاملون بصدق وأمانة معي كانوا متخوفين من أن يسبب إثارة الموضوع إشكالاً أكبر من الموضوع نفسه. أحياناً يكون من الحكمة أن لا تتكلم عن مشكلة معينة لأن الحديث عنها سيثير مشكلة أكبر. فهل الحديث عن موضوع القبيلة سيسبب إشكالاً أكبر بحيث أنه بدلاً من أن ننقد الظاهرة نذهب ونعززها، نخشى أن يكون مقالك تعزيزاً للظاهرة بدلاً من علاجها ونقداً لها خاصة إذا انهزمت، إذا لم تستطع أن تكون من الشجاعة أو من الحكمة بشكل كافٍ بحيث تمضي إلى نهاية المشروع، فالتوقف المفاجئ سيكون تعزيزاً للظاهرة ويصير تركها للنسيان وعدم النقاش أفضل من مناقشتها مناقشة تؤدي إلى تعزيزها. وظلت هذه المخاوف إلى المقال السادس أو السابع، ظننت أنني فشلت إلى أن اكتشفت واكتشفوا أن هذا الموضوع قابل للنقاش وأن المناقشة إذا أخذت جانب الحكمة وجانب الصدق مع الذات تجنب الإساءة إلى الآخرين أو أي طرف من الأطراف. فأنت تضر البحث العلمي إذا بدأت تسيء للآخرين، وتكلمت بكلام سلبي عن الآخرين أو أن تتكلم بكلام سلبي عن مزاين الإبل أو عن الشعراء النبطيين أو شاعر القبيلة، إذا تكلمت بسلبية هنا تضر بالموضوع، أصلاً يكون الموضوع حينئذ ليس علمياً وليس صحيحاً من الناحية الأخلاقية ولا المنهجية لأن النقد ليس لغرض الإساءة وإنما هو مثل فعل الطبيب الذي مهمته أن يبصر المريض بمرضه كأن يقول الطبيب للمريض عندك حالة تستدعي العلاج لا أن يعيره بالمرض، فرق بأن تبلغ المريض بمرضه الذي يحتاج إلى علاج وبين أن تعيره بالمرض.
الفارق بين الاثنين هو الفارق المنهجي والأخلاقي في البحث أيضاً. إذا تعرضت إلى موضوع القبيلة أو غير القبيلة فارق بين أن تعير بهذا العيب وبين أن تنتقده بمعنى أنك تبصر بالخلل الذي يشبه الخلل المرضي لكي تشفي المجتمع وتشفي الذات منه. ولا أظن أن أي إنسان محترم ينتمي إلى أي قبيلة ولديه قيم أخلاقية لا أظنه سيقول أنه فعلاً يتميز عن غيره بمجرد أنه ينتمي إلى قبيلة كذا، سيقول إن قبيلته عظيمة ويفتخر بها ويحترمها ويحبها وينتمي لها انتماء كاملاً، ولكنه سيقول إن عباد الله سواسية، إذا قالها انتهى الإشكال ولم يعد لدينا مشكلة، المشكلة في الذي لا يرى إن عباد الله سواسية، لكن الذي يقول إن أبي أو جدي أو عائلتي أو قبيلتي نبيلة وكريمة وشجاعة ويثني على شجاعتها وإنجازاتها وتاريخها وسلوكياتها، فهذه حقوق عظيمة ونبيلة. لكن أن يقول إن عائلتي أشرف وأرقى وأعرق بدمها بعرقها حتى يقول إن الفاسد منها أشرف من النبيل عند غيرها هذه مصيبة.
لذلك أقول يجب التفريق بين القبيلة كقيمة اجتماعية وثقافية محترمة وبين القبائلية بوصفها اتجاهاً عنصرياً، وكل عنصرية تتجه إلى إلغاء الآخرين تكون معيبة. القبيلة ليست معيبة، المعيب أن يظن بعض أصحاب قبيلة أو حتى غير قبيلة أو مذهب مثلاً أو طائفة أو اتجاه فكري أو اتجاه اجتماعي إنهم أرقى وأشرف من غيرهم فلو جاءت إحدى العائلات وقالت عائلتنا هي الأرقى والأشرف والأنبل وغيرنا أقل هذه هي العنصرية التي يجب أن نقف للحد من هذه الظاهرة؛ لأنها ستضر بالمشروع الكلي والسلام والأمن الاجتماعي.
* ألا ترى أن الغالب الأعم هو من أبناء القبائل؟
- طبعاً لا. وإذا جئنا للتعداد السكاني في البحث في اعتقادي أن أبناء المدن من حيث العدد أكبر من أبناء القرى كإحصاء إذا حسبنا أبناء جدة أو منطقة الجنوب، أو منطقة القصيم ستجد أن أبناء المدن كعدد أكبر من أعداد القرى، والعدد الأكبر جدا من أبناء المدن لا ينتمي لقبيلة وبعضهم ينتمي وبعضهم لا ينتمي. والحقيقة أن أي إنسان في أي مكان ينتمي إلى قبيلة وإلى عائلة، لا وجود لبشر سواء أمريكي أو ياباني أو صيني أو عربي إلا وينتمي للعائلة. العائلة هي الوحدة الاجتماعية في أي مكان في أي تاريخ في أي بيئة فوحدة العائلة هي الوحدة المجتمعية الأصل هي الوحدة الصحيحة، وما هو أكبر من العائلة ويتسمى باسم القبيلة هذا ليس هو الكم الأكبر، لو أخذت إحصاء في مصر في العالم العربي لما نسميه العرب كمصطلح سيكون 70% منهم أبناء مدن، 30% منهم لا يزالون ينتمون إلى قبائل، وعلى الإحصاء لا شك أن أبناء المدن في اعتقادي أكبر، لكن القبيلة بالرغم من أنها أقل عددا لكن تأثيرها أكبر ، الحضور الاجتماعي للقبيلة أكبر وهذه ليست مشكلة. المشكلة هي أن ينشأ حالة فراق، طلاق اجتماعي بين القبيلة واللاقبيلة بحيث كل طرف من الطرفين يتعامل بعدم ثقة مع الآخر وبانحيازات كليهما ضد الآخر ليس انحياز القبيلة إلى غير القبيلة، بل انحياز من اللاقبيلة ضد القبيلة، أيضا فكل انحياز يأتي ضده انحياز آخر عادة بالضرورة ولكن لا تستمر هذه الانحيازات، ولكي نخرج من إطار الانحيازات إلى إطار السلامة الاجتماعية لابد أن نسمي الأشياء بأسمائها، فأنا لا أتحرك بصفتي مصلحا اجتماعيا، ولا بصفة الواعظ، هذه مهام لها غيري يؤديها بل أتحرك بصفة الناقد الذي يقرأ الظواهر ويتعرف عليها ويبلغ عنها عبر نقدها مثلما يبلغ الطبيب المريض عن مرضه، هنا أمراض اجتماعية أمراض نسميها نسقية. هذه لابد أن تسمى ولابد أن نشتغل عليها وإذا اشتغلنا عليها يجب ألا تخطئ في الحرج مثلما قلت التعبير بالمرض أو الإبلاغ عنه هناك فرق. فلابد لهذا الموضوع أن يناقش إن قسناه بمقياس الدين أو بمقياس الوطنية.
أيهم أهم علينا مقياس الدين ثم مقياس الوطنية من جهة أو مقاييس أخرى مخالفة للإثنين الأهم عندنا مقياس الدين ومقياس الوطنية.
كما تتفضل وتقول إن أبناء القبائل موجودون في المؤسسات الاجتماعية كلها بكل مستوياتها، هذا صحيح، عندما تسألني أن أبناء القبائل كلهم منحازون.. أنا أقول: لا، المنحازون قلة، لكن هذه القلة لها صوت عال بالصوت العالي أحيانا يوهم بأنه يمثل أكثرية، والصوت العالي عادة ليس بالضرورة يمثل أكثرية.
أنت لو فحصت الناس فردا فردا لوجدت أن الوعي الفردي متطور، وسيقول لك فرد أنا لا أميز وأنا أخاف الله في عباد الله، ولكن في لحظة من اللحظات هذا الشخص نفسه عندما يندرج في فئته الاجتماعية يتغير وضعه وتصبح عقلية الفئة أعلى من وعيه الفردي، وهنا يأتي دور الخطاب النقدي ليتعرف على هذه الظواهر لماذا أنت بوعيك الفردي لا تؤمن بالتميزات، ولكن بانسياقك الفئوي تنسى وعيك الفردي وتصير انحيازياً.
هنا الخطأ.. لابد دائما أن ننمي أنفسنا وننمي أفرادنا وننمي ذواتنا؛ يعني أنا لا أتكلم على أن المجتمع معيب، وأنا نقي ولست معيباً.. لدي عيوب ولا أقر العيوب التي في مجتمعي.
أنا من هذا المجتمع ولدي نفس العيوب لكن نقدي للآخرين هو نقد لذاتي محاولة لتربية الذات عندي، فهو تربية لي أنا في الوقت الذي فيه تربية للآخرين.
فالنبي يقول لأبي ذر الغفاري وهو من أنزه الصحابة أنت امرؤ فيك جاهلية. نحن كل واحد منا فيه جاهلي صغير، الجاهلي الصغير يتحرك أحيانا ويبدأ يوجهك بطريقة مجنونة حمقاء ضارة.. إلخ. إذا لم تواجهه بالوعي الديني بالوعي الاجتماعي بالوعي الوطني بالوعي الثقافي بالوعي العلمي بالوعي العقلاني فأنت لن تقمعه، لن تحيد سلطته عليك هو يتسلط عليك ويديرك؛ بمعنى أنه في لحظة من اللحظات وأنت الإنسان المثقف العاقل يمكن أن تتحول إلى الانسان الجاهلي.
* كيف تحمي نفسك من هذا التحول؟ وكيف تحمي المجتمع من هذه التحولات؟
- هذه تحتاج إلى شغل، يعني لابد أن نشتغل؛ فالرسول عليه الصلاة والسلام لما قال لأبي ذر الغفاري (أنت امرؤ فيك جاهلية) لم يجامل صحابياً من صحابته، لم يقل من المؤلفة قلوبهم مثلاً، لم يقل لو قلت له هذا الكلام ربما خرج علينا وعلى الجماعة، قالها بصراحة، قالها لم يمنعه أن يقول الحق أي مانع يجب أن نقول الحق لكن كيف قاله. لم يقل أنت رجل جاهلي.. لم يقل أنت جاهلي.. قال: أنت امرؤ فيك جاهلية. يعني وفيك اسلامية كثيرة كأنه يقول (شيل هذه الجاهلية لكي يكتمل اسلامك).
لأنه - أبو ذر- عيّر واحداً بأمه، فهنا قال أنت امرؤ فيك جاهلية.. نحن في مجتمعنا جاهلية كيف نواجه هذه الجاهلية؟ لكن في مجتمعنا حسنات عظيمة أيضا، فعلينا ونحن نحارب الجاهلية يجب ألا ننحرف دون وعي فنضر بجوانبنا الحسنة والايجابية.
* ما الذي يقوله د. الغذامي لكل من اختلف معه.. وتحديداً الدكتور علي سعد الموسى.. الذي اعتبر رأي الغذامي في المزايين ما هو إلا توارٍ من كارتيل البعارين - كما أسماه - بمعنى آخر.. هل يتوارى الغذامي الآن وأمام كارتيل البعارين وهو الذي لم يستسلم أو يتضاءل أمام كارتيل تيارات وأدلجات وإسلامويين؟
- طبعاً لا.. أنا احترم رأي الدكتور علي الموسى بكل تأكيد وهو رجل شجاع ومن حقه أن يرى الرأي الذي يراه لكن القضية عندي لا تنحصر في أحد هذين البعدين إما الشجاعة أو التواري دون الحقيقة ما أفعله أنا هو مشروع في نقد النسق، هو مشروع مشروط بألا يجنح هذا النقد إلى الإساءة أو التقليل من شأن الظواهر الثقافية، فمزايين الإبل بالنسبة لي هي ظاهرة ثقافية بالدرجة الاولى، وبما أنها ظاهرة ثقافية اجتماعية فهي ظاهرة صحيحة، إذا تحولت الظاهرة من كونها ظاهرة ثقافية اجتماعية إلى أن تكون ظاهرة انحيازية هنا يجب أن نتكلم لذلك في كل مبحث نسيره حول مزايين الإبل، يجب أن نميز بين المستويين بين مستواها كمظهر ثقافي يجب إعطاؤه حقه والجانب الآخر كخطاب عنصري ولا يحل الإشكال هنا بأن نلغي مهرجان مزايين الإبل، هنا يصبح خطأ بأن نتحول من الخطأ إلى الخطأ.
الحل هو أن نحيي مهرجان الإبل ونضع أيدينا مع أصحاب هذا المهرجان لكي نرقي هذا المهرجان ونجعله مهرجاناً إنسانياً، مهرجاناً ثقافياً يعبر الناس فيه عن أنفسهم عبر ملابسهم عبر الفلكلور الاجتماعي عبر الخطابات الاجتماعية عبر المناسبات الاجتماعية، يعني مثلا لا يمكن أن نلغي غلاء المهور مثلا أو نلغي العنوسة بإلغاء حفلات الزواج فهذا ليس له شأن بهذا حفل الزواج هو مظهر اجتماعي احتفالي للفرح، ولا شأن له بغلاء المهور، ولا شأن له بالعنوسة؛ فغلاء المهور والعنوسة قضية أخرى تعالَج ليس بإلغاء حفلات الزواج، بل تعالج بشيء آخر. هنا حين نتكلم عن مزايين الإبل فلا نحارب العنصرية القبائلية بأن نلغي مهرجان المزايين، بالعكس إن ألغينا مهرجان المزايين فإننا نعزز العنصرية القبائلية بأن حرمنا الناس من التعبير عن أنفسهم، وكلما حُرم الناس من التعبير عن أنفسهم بحثوا عن صيغ أخرى يحتالون فيها للتعبير، وبالتالي يتسبب ذلك في تمرد اجتماعي وكبت اجتماعي بعملية الإلغاء. نحن لا نريد إلغاء الظاهرة؛ نحن نريد أن نُرقِّي هذه الظاهرة؛ كي نجعلها ظاهرة ثقافية دون أن تجنح إلى العناصر السابقة، وهذا ممكن جداً، ولا أسهل من ذلك بأن نخلق الوعي ضد المنظمين أنفسهم وبأن نضع قوانين عليهم أنفسهم، انظر النقد الاجتماعي لقد أفضى إلى بعض المواهب، لقد قرأت في الصحف عن شاعر فتح موقعاً في الإنترنت أسماه (قبيلة الشعر). الانتصار لقبيلة الشعر، وليس لدى القبائل أن تجعل للشعر قيمة ثقافية واجتماعية يتساوى الناس فيها. فهنا يطرح الآن أن الشعر قيمة ثقافية يتجاوز سؤال القبيلة أو الحدود أو العنصرية، فهنا يصير الانتصار للشعر نفسه كظاهرة. أيضا أنت رأيت الآن في مهرجان مزايين الإبل الأخير بعتيبة أن أصواتا بدأت من داخل القبيلة نفسها تتكلم عن قيم المساواة وقيم الوطن وقيم الحق وقيمة الآخرين ومعزة الآخرين وقيمة الآخرين.. فبدأ ينشأ من داخل القبيلة نفسها، من داخل المهرجان، خطاب هو الذي يجب أن يشجع.
للتواصل مع المحرر
aldihaya2004@hotmail.com