يحيط بك من كل جوانب حياتك، ولا تستطيع الإفلات منه، حتى وإن انزويت وحيداً في صومعتك. واقعة تلازمك، أحببت ذلك أم كرهت.
ينظر إليك ولا تعرف معنى نظراته. يعاتبك في أمور أنت حر في فعلها. يشاجرك حد القتل. يعلن حبه لك. لا يبالي بك، يغضب يرضى يعبس يضحك. يظهر عكس ما يخفي. وفي صور لا تعرف معناها ولا تفهم مغزاها ولا تتيقن من أهدافها يبدو أمامك.
يدخل عالمك دون خجل أو وجل دون أن يستأذنك. وبكل ثقة بحق زائف يلقي عليك السؤال: أين كنت؟
إلى أين أنت ذاهب؟ ما رأيك فيّ،... هل... متى... يريد أن يعرف عنك كل شيء. إذا أعيته الحيلة في إيجاد جواب منك، راح يسأل عنك آخر عله يستقي بعض المعلومات عن حياتك البارحة أو غداً.
الآخر هو هذا الشخص الذي يظل على مبعدة منك. لأنه ليس جزءاً من حياتك الحرة. الآخر عدو ممكن. الآخر قيد. كل من تنظر إليه على أنه آخر وليس جزءاً من حياتك الحرة ما هو إلا مشروع كره، غضب، نفي.
الصديق ليس آخر، كل من تحبه ويحبك ليس آخر. إذا صار الصديق آخر أو المحبوب آخر فاعلم أنه لم يعد صديقاً صديقك والمحبوب لم يعد محبوبك.
أقسى أنواع الآخرين ذاك الذي لا تملك الشجاعة لأن تقول له آخر، وهو معتقد أنه منتمٍ إلى حياتك الحرة.
أثقل أنواع الآخرين ظلاً ذلك الآخر الذي يعلم أنه آخر عندك ويمارس سلوكه معك كالمحبوب.
وأقسى حالات وجودك حين تنظر إلى كائن بوصفه منتمياً إلى عالمك، إلى قلبك ويعاملك بوصفك آخر.
الآخر الذي يخطف وجودك الحر، ولا سبيل للتحرر منه، ونفيه من وجودك يتنامى كرهك له ويتسع حتى يصل حد الرغبة في قتله.
حين يثمر الكره حقداً وحين يتحول الحقد إلى رغبة في قتل الآخر فهذا يقود إلى غياب الشعور بغائية الإنسان..لا أريد للآخر وجوداً في حياتي. لكنه موجود فيها رغماً عن أنفي. فماذا أفعل؟ لا شيء سوى أني متوتر وسأبقى متوتراً. وجودي توتر.. غير أن هناك نوعاً من الآخر لا أطيقه أبداً والحياة ممكنة بدونه. إنه الآخر الذي يمتلك حق مراقبتي قانونياً.. تأمل هذه الكوميديا: آخر يمتهن مراقبتي. كيف لي أن أحتمل من يراقبني عن عمد ولديه صك قانوني في حق مراقبتي؟ كيف وأنا الذي أضيق ذرعاً بآخر يعيش معي دون أن يمتهن مراقبتي؟
وبعد كيف الخروج من هذا المأزق، من هذا التوتر ربما يكون الأمر مستحيلاً ولكن:
الحب نفي للآخر والآخر نفي للحب.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7307» ثم أرسلها إلى الكود 82244