مضت وانقضت سنوات كثيرة دون أن أزور محافظتي عنيزة والمذنب..
وبالتالي فلم تتح لي فرصة للتعرف على جديدهما الذي جَدَّ..
فقد مرت مناسبات..
وجاءت فرص..
وتلقيت دعوات..
وحال بيني وبينهما حائل، وشغلني عنهما شاغل، وبقيت بعيداً عنهما، لكني لم (أتشاغل) عنهما أبداً، ولم أدر ظهري لهما مطلقاً.
* * *
عنيزة والمذنب كانتا في عقلي وقلبي دائماً..
ولم تغيبا عن ذاكرتي أبداً..
بجمالهما وأناقتهما وسحرهما..
وظل هاجسي أن أزور المحافظتين لأملأ عيني من جديد بما بقي من مظاهر وعلامات وشواهد في تلك الديار القديمة دون تغيير، مستعيداً بذلك شيئاً من سنوات طفولتي وشبابي المبكر، وذكرياتي في تلك المرحلة من العمر..
وكانت رغبتي الأخرى أن أرى صورة التغيير الشامل الذي لامس ومَسَّ كل شيء في المحافظتين، لأتأكد بأنها حركة حضارية تتناغم مع رغبات الناس وتستجيب لمتطلباتهم.
* * *
أمضيت بعض يوم في المذنب..
ومثله في عنيزة..
فقضيت خلال ساعات - كانت مليئة بأخبار المحافظتين السارة - ما اختصر لي ما رغبت أن أتعرف عليه عن التطورات والإنجازات والعمل الكبير الذي تم ويتم على الأرض..
فأسعدني ما رأيت..
وأفرحني ما وجدت محافظتي عنيزة والمذنب عليه..
فعدت إلى الرياض مزهواً وفخوراً بكل هذه العطاءات الجميلة التي جمعت بين القديم والجديد في هذا الجزء الغالي من أرض الوطن.
* * *
كلام كثير..
ومهم..
يمكن أن يقال..
ورصد متاح وضروري ومطلوب لهذه التطورات التي تجبر العقلاء على احترامها..
حتى يبقى ما رآه غيري ورأيته شخصياً نموذجاً واضحاً يمكن لنا أن نستند إليه ونعتمد عليه في تذكير المحافظات الأخرى بضرورة محاكاة غيرهم والاقتداء بهم، بل ومنافستهم باتجاه التفوق عليهم.
* * *
كانت عنيزة من قبل، كما هي اليوم، مثلما قال عنها الريحاني (باريس نجد) ولم يكن بالتأكيد يقصد تشبيهها بشارع (الشانزلزيه) أو الحي (اللاتيني) أو قصر (فرساي) أو متحف (اللوفر) أو جامعة السوربون أو غيرها، لكنه أراد أن يقول - كما أفهم - إنها بلد النور مثلما يطلق على مدينة باريس، وأنها بلد التسامح والتعاطي مع كل جديد والقبول به، وعنيزة هي كذلك فعلاً، بمعالمها ورموزها، ومبدعيها، وتسامح أهلها من الرجال والنساء.
* * *
وكانت المذنب هي الأخرى في الماضي، كما هي في الحاضر، قبلة العلماء، ومصدراً من مصادر الثقافة والعلم، ونموذجاً للإرادة القوية في التغلب على إمكاناتها المتواضعة في بناء محافظة جميلة ومتسعة، حيث جاءت هبة الله لها: وفرة في المياه، وغناء بالجبال والرمال الذهبية، وتنوعاً بالتضاريس الطبيعية في أرضها، ورجالا ونساء يحبون محافظتهم ويتفانون من أجلها، وقد منحوها وأغدقوا عليها من مالهم ووقتهم؛ ما جعلها بهذا الجمال اللافت للنظر.
* * *
كان بعض يوم قضيته بالمذنب في بداية أسبوع من ربيع هذا العام..
وبعض يوم آخر أمضيته بعنيزة في منتصف ذات الأسبوع..
لقيت خلال هذه الساعات القليلة في كل من عنيزة والمذنب من حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة والاحتفاء بصحيفة الجزيرة، ما ذكرني من جديد بأصالة رجال هاتين المحافظتين وطيبتهم، في زمن هناك مَنْ يتباكى على الماضي، وكأن ذلك الماضي الخالد بقيمه وتقاليده وسجايا رجاله ونسائه قد اختفى أو أنه إلى زوال.
ونكمل الحديث لاحقاً.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «2» ثم أرسلها إلى الكود 82244