في الحقيقة أن عدد الأعمال السينمائية التي تحمل العنوان نفسه Border town طوال تاريخ الفن السابع كثيرة، وأكثرها شهرة فيلم (مدينة حدودية) عام 1935 تمثيل بول موني وبيتي ديفيز، السيناريو اعتمد رواية بوليسية صدرت عام 1934 بقلم كارول غريم، مثل بول موني دور رجل مكسيكي يعمل في كازينو فيما مثلت بيتي ديفيز دور امرأة مختلة عقليا. وفي عام 1989 ظهر فيلم تلفزيوني أيضاً وأعقبه مسلسل تلفزيوني ثم إنتاج تلفزيوني آخر عام 1995 وفيلم مثلت فيه (كيت بلانشيت)، وجاء الفيلم الذي نتحدث عنه هنا (مدينة حدودية) الذي أطلق للعرض هذا العام 2007، وكل هذه الأعمال تتخذ من الخاصية الحدودية بين دولتين باعتبارها نقطة تتركز فيها الصراعات الاجتماعية التي تكون بمثابة حصيلة للأوضاع السياسية والاقتصادية والأخلاقية على الجانبين.
مراسلة حربية
فيلم مدينة حدودية (المنسيون) 2007 (العنوان الفرنسي: منسيو سيوداد جواريز) يلقي نظرة وثائقية على أحداث بعينها ويتغلغل في خلفيتها السياسية والطبقية وقد أخرجه المخرج گريوري نافا. يضعنا التعليق المثبت في بداية الفيلم في صلب القضية حين يشير إلى أن الولايات المتحدة تستغل اتفاقية التجارة الحرة لتفتح معامل مستحضرات تجميل في الجانب الآخر من الحدود وهذه المعامل تستخدم على الأغلب النساء المكسيكيات كأيدي عاملة رخيصة لساعات عمل طويلة، والهدف إنتاج أكبر كمية بأقل التكاليف. تظهر الممثلة والمغنية جنيفر لوبيز في الفيلم بدور مراسلة صحافية متحمسة في جريدة (شيكاغو سينتينيل) تريد أن تعمل كمراسلة حربية في العراق غير أن رئيسها موران (الممثل مارتن شين) يرسلها بدلا من ذلك للتحقيق في سلسلة جرائم قتل لعاملات مكسيكيات في المدينة الحدودية فتسرع لتنفيذ الأمر آملة أن يعقب نجاحها في هذه المهمة إرسالها إلى جبهة العراق. تلتقي في مدينة (جواريز) بصديقها السابق دياز (الممثل أنتونيو بانديراس) محرر الصحيفة المحلية (أل سول دي جواريز) وتقابل أيضاً آخر الضحايا ايفا (الممثلة مايا زاباتا) التي اغتصبها وحاول قتلها سائق حافلة ورجل آخر وتركاها بعد أن ظن أنها قد ماتت ثم تدلي بشهادتها. هذه الصياغة الدرامية تستقر في الحقيقة على خلفية أكثر شمولية وأكثر واقعية.
مهرجان الجثث
أدت حادثة ايفا إلى الكشف عن السلسلة المعتادة (فساد، عنف شرطة، مافيات، تواطؤ شخصيات بارزة، عدالة بمكيالين، حرمان الصحافة من الحرية.... إلى آخره) وإلى التأكد من أن عمليات الاغتصاب المختومة بالقتل لم تبدأ منذ سنة أو سنتين بل منذ 1993 والحصيلة حتى إنتاج الفيلم 400 جثة، سجلن مفقودات وأغلبهن فتيات سمراوات شابات فقيرات استخدمن في حوالي 300 معمل لمستحضرات التجميل قائمة في النواحي الصحراوية للابتعاد عن الرقابة، وقد استخدمن بطريقة غير قانونية وبأجور متدنية في تلك المدينة الحدودية المغبرة التي يسكنها 1,5 مليون نسمة وتعج بعصابات المخدرات والمشعوذين وحيث لا سبيل للفتيات القادمات من جميع أنحاء المكسيك ألا حياة الكد والتعب وليس نادرا أن يغتصبن ويقطعن قطعا أو يطلق على رؤوسهن الرصاص.
عندما اكتشفت جثث ثماني نساء عام 2001 أخذت باقي الجثث تظهر كنبات الفطر وأسرع الصحافيون (ومن بينهم ديانا واشنطن التي تمثل دورها في الفيلم جنيفير لوبيز) لتغطية الأحداث وتحركت المنظمات العالمية الإنسانية للعمل على القضية في أكبر مدينة حدودية في العالم تشكل مع مدينة (أل باسو) توأما مكسيكيا أمريكيا.
موقع استراتيجي يحاذي القاعدة الأمريكية (فورت بليس)، ومكان يتدفق عليه الشبان التكساسيون (ساكنو تكساس من غير اللاتينيين الذين يسمون التيخانيين) لأنهم لا يستطيعون احتساء الخمر في ولايتهم دون سن 21 عاماً.
تباطؤ العدالة
القضاة يبسطون الأسباب بقولهم ان هؤلاء النسوة تعرضن للقتل لأنهن أغضبن رجالهن أو بسبب ممارستهن خطايا شنيعة تحرك القضاء لأول مرة عام 2003 وخرج بنتائج هزيلة حيث ادعى المقبوض عليهم وهم من السائقون أو العمال الفقراء بأن الاعترافات انتزعت منهم بالقوة. لقد سبق لديانا واشنطن نفسها وهي من أصل مكسيكي ومقيمة في (أل باسو) أن أنتجت فيلما وثائقيا عرض في مهرجان السينما البديلة (صن دانس) بعنوان (تحت جواريز.. المدينة التي تلتهم أبناءها) واتهمت فيه الرئيس المكسيكي السابق فينسنته فوكس (2000-2006) بالتواطؤ والتغطية على الأحداث. ظهرت في الفيلم وهي تحمل بيدها الوثائق (الجناة قاتلان محترفان ومهربو مخدرات ورجال أغنياء ومتنفذون أما الذين في السجن فليسوا سوى أكباش فداء).
تقول إحدى الشخصيات في الفيلم (لا تتصوروا أن الأمر مختلف في الولايات المتحدة فأنا أستطيع شراء من أريد شراءه على كلا الجانبين، إن العدالة ذات السرعتين، بطيئة وسريعة، موجودة في كل مكان).