سلسلة طويلة من أفلام الطفل الشرير بدءاً من فيلم (البذرة السيّئة) إلى (التعويذي) إلى (الطالع) حتى فيلم جوشوا. وهذا الفيلم هو أول ظهور للمخرج والمؤلف جورج راتليف المعروف بالفيلم الوثائقي (منزل الجحيم). أما القصة فتعتبر من النوع المثير بأحداثها المتوترة وهدوئها غير العادي في نفس الوقت؛ مما يضيف إلى الحالة بعض الغموض في الفيلم.
في بداية الفيلم يقوم براد كايرن (سام روكويل) وزوجته آبي (فيرا فارميجا)، باصطحاب ابنتهما حديثة الولادة للتوّ إلى منزلهما. وبعد دخول الأسرة إلى المنزل تفاجأ بأن المنزل قد بدأت تحدث به كثير من الأشياء الغريبة؛ فالطفلة الرضيعة لا تتوقف عن البكاء ووالدتها آبي لا تستطيع النوم لدرجة أنها تلجأ إلى تعاطي الحبوب المهدئة، ثمّ تتطور المسألة لدرجة الشعور بالذعر. ويدخل إلينا المخرج في هذه الأثناء إحساساً بأن آبي لم تعد قادرة على فهم الحقيقة.
أغلب الأحداث تدور داخل الشقّة، ويعتمد راتليف على مدخلها الطويل والمظلم بشكل كبير في إدخال شعور الغموض إلى نفس المتفرجين، كما أن هناك أعمال بناء في الطابق العلوي، حيث يضيف الرنين والدق المستمر إلى إحساس الخوف من الأماكن الضيقة.
في منتصف كل هذا الاضطراب نجد ابن الزوجين البالغ 9 سنوات من العمر (جوشوا) - يقوم بدوره الطفل الممثل يعقوب كوجان المخيف - بشكل مهذب، وهو صبي حسّاس وجدّي ولديه موهبة في لعب البيانو وحب الإثارة، وهو دائما موجود عندما تحدث الأحداث الشنيعة (موت الجرذان الأليفة في قاعة دروسه، على سبيل المثال)، لكنّه لا يبدو مسؤولاً مباشرة أبداً، حتى أن سلوكه العنيف، مثل نزع أحشاء دمى حيواناته المحشوة، يمكن أن يكون فقط حالة طبيعية لطفل ليسترعي الانتباه.
الشيء الذي يجعل فيلم (جوشوا) مختلفاً، إضافة إلى التصوير السينمائي المحزن من بينويت ديبي بلونيه الأحمر والأزرق العميقين وكآبته، هو ذلك الأسلوب الذي قام به راتليف والمؤلف المشارك ديفيد جلبرت بتطوير شخصياتهم؛ فالآباء لا يقفون فقط متفرجين بضعف بينما يتحلل عالمهم، وإنما يتفاعلون مع الأحداث بشكل لافت كما يحدث في الحقيقة. أما جوشوا فلا يبدو مقلقاً منذ البداية. إنه فقط يبدو غيوراً إلى حد مقبول وحزين نوعاً ما، وهو إلى حدّ ما غير مناسب بشعره المثالي، وملابسه المرتبة وفضوله الفكريّ الذي يتجاوز سنوات عمره؛ فهو يجعلك تشعر بالأسى عليه، لفترة، على الأقل.
(هل تشعل بالاستغراب حول ابنك الغريب؟) يسأل جوشوا ذات ليلة والده وهو يضعه في السرير. ويردّ والده بمحبّة، مثل أيّ أبّ جيّد. لكن روكويل، الذي حقق نجاحه المهني من الشخصيات التي تكون على حافة المنطق، يعطي الدور فرقاً دقيقاً أكثر من المتوقع، ويقدم تلميحاً عن شخصية براد قبل أن يكون زوجاً وأباً. في الماضي عندما كان مرحاً وربّما كان مجنوناً نوعاً ما.
أما (سيليا ويستن) فكانت مخرفّة ومخيفة في نفس الوقت في دور أم براد التي تعرف كل شيء. ودالاس روبرتس يستفيد إلى أبعد الحدود من المظاهر المساندة المتقطعة في دور شقيق آبي المرح، نيد، منتج برودواي الذي يدعم موهبة جوشوا الموسيقية الواضحة. وهو أيضاً الأول الذي يعرف ما يدور عندما يقوم جوشوا عن عمد بتشويه قصيدة مشهورة خلال حفلة مدرسية موسيقية.
إنّ اللحظة مخيفة، لكن إذا كان جوشوا لا يخيفك، فهو سيجعلك على الأقل تتردّد حول رغبتك في أن يكون لديك أطفال.