رغم أن لاري لودك قد أنهى دراسته الجامعية منذ أكثر من ثلاثة عقود إلا أن شغفه بالتعليم ظل حلماً لا يخمد. ولذلك عندما فاجأته زوجه في عيد ميلاده ببطاقة تهنئه فيها بالتحاقه بالجامعة مرة اخرى، فقد استثارت حماسته.
اليوم الجامعى الواحد يعتبر تجمعاً غير عادى، فمعظم الحاضرين مثل لودك فى سن الخمسين. و قد جاؤوا هنا مثل جليسي الأطفال والمتقاعدين للعب مع الطلاب لمدة يوم واحد. وهي فرصة لإطلاق العنان للحنين لسنوات الجامعة بإيجاد متعة بالغة في عالم مليء بالأفكار الجديدة.
يقول لودك عن نفسه إنه ورث حب الدراسة والتعليم عن والده الذي قضى طول حياته في التعليم. و يقول ستيفن شراجس، وهو شريك في المؤسسة، مازحاً مع الحاضرين: إنهم لن يحصلوا على درجة علمية من جامعة كولومبيا أو هارفارد أو براون أو دارتماوث وإنما سيجدون تنشيط ذهني خلال 70 دقيقة على مدى أربع محاضرات في كل المجالات بدءًا من (موبي دك) إلى علوم في السعادة والسياسة وعلم الأعصاب.
يوفر هذا المشروع، الذي بلغ عامه الأول، محاضرات في سبع مدن بشمال شرق الولايات المتحدة الأمريكية وهو مشروع يبشر بفائدة سريعة في التعليم المفتوح حيث يلتحق الحاضرون ممن في منتصف العمر فأكثر بالدراسة في جميع المجالات بدءاً من التعليم المفتوح حتى دورات ممتدة توفرها الجامعة وبرامج لكبار السن، وهم بذلك يسدون جوع حياة فكرية نشيطة. و بدلاً من الاشتراك في سكن في الطابق التاسع يختار بعضهم العيش في منازل بداخل أو بجوار الحرم الجامعي حتى يتمكنوا من الاستفادة بقدر المستطاع من المحاضرات والنشاطات الثقافية.
مشروع ضخم
تقول باربرا لوفيلا إن السن لا يعتبر عائقاً ضد التعليم (فكل ما أدرسه الآن جديد). و قد قامت بالانتقال من جيلفورد بنيوهاتن إلى نيوتن لحضور تلك المناسبة.
كما يجرى شراجيس وراء حلمه في هذا اليوم منذ نوفمبر 2005 عندما قام بزيارة ابنته وهي طالبة في الصف الأول الجامعي في صرح جامعتها بشمال نيويورك. وكجزء من النشاطات العائلية في نهاية الأسبوع فقد قام كثير من المحاضرين بإلقاء 20 - 30 دقيقة كنموذج من محاضراتهم. يقول شراجيس إن جميع الآباء كانوا مبتهجين مدافعين (أن تذهب للجامعة أفضل من أن تدفع مصاريفها ومن هذا المنطلق بدأت فكرة اليوم الجامعي الواحد).
وقد تعاون شراجيس وهو مدير تعليمي سابق مع الصحفي حون جالفين للبحث عن أفضل المدرسين عن طريق الإنترنت كما قاموا بفحص مستوى الطلاب من خلال محادثة الطلاب وحضور الحصص الدراسية وقد التحق الآن بكليتهم نحو 50 طالبا.
يقول شراجيس إنهم ليسوا مشهورين إلا في المحيط الجامعي غير ان من يرغب في الدراسة سوف يحبب الآخرين فيها بخلاف بعض النماذج القليلة، فمعظم الحاضرين ليس لديهم أطفال صغار لتربيتهم. يقول شراجيس إن كثيرا ممن في سن الثلاثين والاربعين يودون الالتحاق ولكن لديهم أطفالا صغارا يجب مراعاتهم. وتشكل السيدات أكثر من نصف المسجلين بذلك المشروع، حيث يدفع المشارك 219 دولاراً كما يمكن له الحصول على تخفيض في حالة إحضار فردين آخرين.
وفي الخريف الماضي سجلت الحادثة الأولى بمعهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا في كامبريدج بماساتشوسيتس بداية غير مبشرة بخير وذلك ليس بسبب أكاديمي وإنما بسبب مكان انتظار السيارات فقد كان صغيراً للغاية. والآن يتم تلقي معظم المحاضرات بالضاحيات مثل أولد وستبري ووستتشستر بنيويورك وموريستاون بنيوجيرسي وفيرفيلد بكونكتيكوت وولسلي بماساتشوسيتس بالإضافة إلى محاضرات أخرى سوف يتم عقدها بمدينة نيويورك وقد تم إتاحة دورات جديدة كل 5 و 7 أسابيع في كل من المواقع السابق ذكرها.
ومعظم الحاضرين من المتقاعدين أو ممن لم يعملوا في مجالهم لا يفكرون في الربح المادي وإنما في التعليم فقط. تقول إحدى الحاضرات والتي جاءت من مدينة المحيط بالساحل (إنني لن أستطيع تسلق جبل إفرست وإنما أرغب دراسة أى شيء فيكفي الاحتفاظ بذهنك نشيطاً).
يوم واحد
تبدأ المحاضرة عن (موبي ديك) ? كتاب سياسي ضمني - يلقيها أندرو بلبانكو، وهو مدير الدراسات الأمريكية بجامعة كولومبيا، وفيها يلقي الضوء على حياة وزمن هرمان ملفيل.
ثم تأتي المحاضرة الثانية عن السعادة و قد سجلت محاضرة (النفسية الإيجابية وعلم السعادة) أكثر المحاضرات شعبية بجامعة هارفارد. يقول شون أكور المحاضر إن أسلوب تفكيرك عن شخصك له آثار فيزيائية (جسدية) على مدى حياتك ومحاولة أن تكون أكثر سعادة فهو شيء داخلي، فلو كنت تريد أن ترى العالم مكانا يسوده السعادة فيجب أن تبدأ بنفسك.
وبعد وجبة الغذاء يتجمع الطلاب لسماع وندى شيلر، وهو مدرس في العلوم السياسية بجامعة براون، قائلا إنه يعتقد أن الانتخابات التى ستجرى عام 2008 ستكون مجال التحول بالنسبة للجمهوريين والديمقراطيين على السواء. تلك المحاضرات تمكن الحاضرين من تبادل المعلومات وبالتالي تكون أحد الفوائد المكتسبة هنا.
يقول والتر سينوت أرمسترونج، مدرس فلسفة بجامعة دارتماوث بهانوفر بنيو هامشير، في آخر محاضرة لهذا اليوم إنه يستمتع بوجهة نظر الحاضرين المختلفة وخبراتهم في الحياة ونتائجها.
نظراء لا طلاب
يقول السيد جالفين، وهو أحد مؤسسي اليوم الجامعي الواحد، إنه يحفز الحاضرين للتفاعل مع نظرائهم فعندما يتحدث المدرس في العلوم السياسية عن دونالد ريجن مثلاً يعلم الحاضرون عما يتحدث. فهم كرسوا حياتهم للأبحاث والدراسات وتبادل المعلومات. ويمثل اليوم الجامعي الواحد بالنسبة للكثيرين أحدث النجاحات لمشاريع التعليم المفتوح.
تقول لوفبلا وهي تقضي فترة الشتاء في فلوريدا إنها تستمتع بحضور المحاضرات عن السياسية الخارجية. كما تقول توستن، وقد أنهت الشهر المنصرم دوراتها عن البيئة بجامعة بفلوريدا، أنها مرت بتجربة مبهجة بالنسبة لها فكل ما تنشده هو الدراسة ورؤية أماكن جديدة في العالم. مضيفة أن هذا المنهج متبع في بيتها؛ فالأطفال يكتشفون أشياء يودون عملها بحماس كما اكتشف زوجها مجالا جديدا للعمل؛ فقد ذهب لمدرسة للطهي لمدة أسبوع.
يقول لودك، الذى يجد متعة بالغة في تلك المحاضرات، إنها تعيد له ذهنه فالمدرسون يطرحون موضوعات عن كل شيء تقريباً ليقتفي أثرها وكتب للقراءة وأسماء للبحث.
كما تقول لوفبلاد إنها مصممة على وجودها بساحة الأفكار الجديدة، فالتعليم يجعل الإنسان أكثر شباباً (الأطفال يعلمون الكثير تلك الأيام ولذلك يجب علينا أن نعرف كيف نتحدث لغتهم فأنا لا أرغب أن يتركوني في عالم الماضي).
(*) عن كريستيان ساينس مونيتور