المؤلف:عمرو العامري
الناشر: دار طوى، 2012
الصفحات: 180صفحة من القطع المتوسط
يتناول الكتاب سيرة ضابط سعودي ؛ بسرد أدبي يرتقي لمستوى العمل الروائي استطاع المؤلف خلاله أن يروي حياة حافلة بشتى أنواع الكفاح ومواجهة أقسى الظروف الإنسانية والمعيشية داخل بلده وخارجها، تفاصيل صنعت من هذا العمل لوحة حية لتجربة شديدة الثراء والتنوع؛ فمن فتى صغير غادر قريته الجنوبية الوادعة (القمري) خلف التلال الخضراء، إلى مغترب يدرس فنون العسكرية والانضباط، ثم متوّجاً رحلته عبر العديد من الدول والقارات، برتبة عسكرية رفيعة.
في متن الحكاية، تفاصيل حياتية دقيقة، تحضر فيها المرأة بصورة كثيفة، مشاركة الرجل عناوين بارزة في نسيج اجتماعي متكامل.
هذا العمل السردي، هو ترجمة دقيقة لتفاصيل حياة المؤلف، بكل تفاعلاتها وخصبها وهمومها ووجعها. سرد إنساني في قالب أدبي آسر.
من الكتاب - السيرة:
... وعندما هبطت الطائرة مطار كراتشي وخرجت بعد مكاتب الجوازات.. عرفت أي عالم حنون تركته وكم هو ناءٍ عني الآن وكم هي طائشة خطوتي تلك ولكن لم يعد هناك مجال للنكوص.
لأختصر الحكاية.. فلقد وصلت أخيراً إلى الكلية.. في مساء حار.. وكانت الشمس تدنو للغروب والطلاب يمارسون رياضة المساء.. وآلاف الغربان تنعق في سماء تلك الجزيرة الصغيرة جنوب كراتشي. وكانت تفصلني عن (القمري) سنوات ضوئية.
وما إن غربت الشمس حتى كنت رابع ثلاثة في غرف شمالية النوافذ يصلني منها صوت البحر ويشاركني فيها طالب سعودي وآخر ليبي وباكستاني وصوت المروحة الكهربائية الصدئة. كان شعر رأسي قد حُلق وشاربي الصغير قد اختفى وكذلك ثيابي وغترتي.. وعندما نظرت إلى نفسي في مرآة الدولاب المكسورة كدت أصعق.. فلم أعد أنا كما أنا.. لم أعد أنا بشعري الأجعد المنكوش وشاربي الصغير وبدت أذني أطول من المعتاد وانطفأ ذلك البريق من عيني وكنت أشبه بالأسير.. وأسدل على الماضي ستاراً من الضباب.. وأصبحت في خلال ساعتين فقط مشروعَ عسكري.
وبعد ساعتين أيضاً كنت أغمض عيني متظاهراً بالنوم.. حتى لا أتلقى مزيداً من العقاب العسكري (وهو أسلوب طبيعي في الكليات العسكرية للطلاب الجدد).. وحتى أسمع ما يقول المحيطون حولي لعلّ ذلك يمدني بمعونة ما وحتى أهرب إلى مخزون ذكرياتي.. والتي انهالت عليّ من أودية ما كنت أظن أني طرقتها.. وبدا لي الوطن رائعاً كجنة مفتقدة ومفتقداً كشيء عصي على الوصول.. وبدا لي كل شيء نائياً كالنجوم في مجراتها البعيده...».
«... كان بيني وبين من أحبهم ثلاثة مطارات وجواز سفر.. وتذكرة ذات وجهة واحدة.. وحاجز اللغة والجغرافيا والتاريخ.. وكان عمري عشرين عاماً.. وربما أكثر قليلاً ولكني لا أعرف.. حقاً لا أعرف وحقيقة لم يكن ذلك مهماً...».