عدم تحرير المصطلحات وعدم نزع فتيل تبعثرها يعني أن ما تستبطنه من حقائق فإنها غير قابلة للإمساك أي أنها أفلتت من التقنين وتأبّت على الضبط, فهي لا تعرف الإقامة التامة ولا المركز ولاالثبات.
عدم التحرير يعني أن المصطلح استحال إلى كائن شمولي غير متناه في امتداده الشأن الذي يمنع من مكاشفة المغيب فيه وبالتالي يعرقل عملية تلافي مؤججات بؤر التأزم.
وهكذا تضمحل الحقيقة وتتلاشى معالمها وتبيت ذات معالم هلامية في ظل غياب المنهج الوسطي المعتدل كتأسيس قبْلي من خلاله يجري تحريرمحل النزاع ووضع النقاط على حروفها وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح من خلال إرساء بعد علائقي يمتد بين طرفي الثنائية - الدال والمدلول - ووضع أسس شبكة اتصالية تمتد فيها وعبر حلقاتها خطوط التواصل والحوار.
عدم تحرير المصطلحات ولّد كثيراً من حالات التناقض وعلى سبيل المثال بات من المألوف أن تقرأ أو تسمع من يرمي غيره وبمنطق أيديولوجي بالأدلجة, في الآن الذي هو غارق في التأدلج حتى الصميم! فالأدلجة طافحة في منطقة رغم محاولته التملص منها, إنها متبرجة رغم محاولات التكتم الحاضرة باستمرار!, بل هي سافرة رغم تلك الاستماتة لحجبها.
وأسلوب مواراتها شاهد بذاته على أيديولوجيتها, ثمة ممارسة التفافية تمارس هنا على أكثرمن صعيد! هنا المنطوق ناطق باسم صاحبه وممرر لما يروم تسويقه.
كثيراً ما تقف على من يصف غيره بأنه مؤدلج, إيهاماً منه بأنه هو منزوع الأدلجة مع أن الحقيقة أنه منخرط في التأدلج حتى النخاع, الأدلجة ماثلة في وعيه أكثر من غيرها, إنه غارق فيها حتى أذنيه فهو يمثل دور المروّج الأيديولوجي الذي لا يضاهى فيما هو بصدده!
الأيديولوجيا هنا تُغيب جوانيا, وكأن لا أيديولوجيا, تُزيف الفكرة من الأساس!
ومن نافلة القول إن التحرر من الأدلجة شأن عزيز، إذ ليس ثمة فرد إلا وله حظه من التأدلج, له حصته من الأدلجة, ولكن ما بين مقل ومستكثر ومابين ذلك طرائق قددا.
وهكذا يبيت المصطلح مطاطياً يحمل في ثناياه الشيء وضده على نحو يعزّز من فرص المناورات التكتيكية والإفلات من التعرض للمساءلة فسيولة المفردة المتداولة على هذا النحو الفضفاض, والقابلية المتنامية لطاقتها الاستيعابية أمر من شأنه أن يؤمّن للممارسات التجديفية فرص التنقل بين أرجائه وبالتالي تفادي خطورة القبض، حيث يتعسر ضبطه إبان تلبسه بالخطل.
ضعيف الحجة دائماً هو المستفيد الأول من ضبابية المصطلحات وعدم تحريرها، إذ الفوضى المصطلحية تمثّل جداراً عازلاً, بل تمنح قدراً من الحصانة لفاقد الحصافة وخصوصاً عند الشعور بأي خطر حجاجي داهم ففي ظل المصطلح الفضفاض تتوفر مخارج عدة مُعدة للهرب حينما يبقى اللوذ بالفرار هو الخيار الأكثر ترشيحا!
إن ضبط المصطلحات وتحرير محل النزاع يمثل السند المحوري لفكرة الاتصال بين الاشياء والأفكار والذوات ولا شيء يسيء إلى المصطلح كعدم تحريره, ومن هنا فالمصطلحات بمسيس الحاجة إلى لمّ شمل إطارها الدلالي المتشتت وضبط طُوفانها الهادروإضاءة شبكتها المفاهيمية من خلال التجلية وفك الارتباط والمحافظة على ذلك التماسك المصطلحي الذي يحايث فيه الكل أجزاءه ولئلا تستحيل المصطلحات حينئذ إلى أعمق تقنيات (التحايل) المعرفي
بريدة
Abdalla_2015@hotmail. com