يذكر ألبرت انيشتاين (أن كل عمل عظيم وملهم نتج عن عمل إنساني بكل حرية) وأنا هنا لا أقصد حرية خارجة عن الدين والملة ولكن ما دامت الأفكار تتلاقح للنهوض بمجتمعنا نحو مصافي الأمم المتقدمة فكريا وحضاريا فعلينا أن نعي بأننا في زمن أصبح الفكر هو من يسيرنا لحياة أفضل، ولعل من الجميل أن نطرح تساؤلات تدعو ذوي العقول النيرة وليست التبعية إلى الإجابة عليها.
ماذا لو توقف التفكير عند حدود معينة لدى علماء الفيزياء فهل باستطاعتنا أن نفهم كيفية تعاقب الليل والنهار؟
ماذا لو توقف تفكير الزنداني هل سيتطيع أن يبرهن لنا إعجاز القرآن الكريم في القسم الواضح على الآية الكريمة {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}؟
ماذا لو توقف تفكير علماء الفضاء وإبحارهم في علوم الفلك والحسابات، هل يا ترى تستطيع رؤية أي برنامج هادف في أحد القنوات الفضائية؟
ليس المقصود من هذه الأسئلة والتي يتوارى إلى الذهن بأنها أسئلة بدائية للتفكير ولكن لعلها تصل لأبسط عقول الذين ينادون إلى تكفير كل تفكير.
إن الفكر لا ينمو إلاّ في جوٍّ من الحرية يتيح للمفكر أن يعبر عما يراه علناً ولا يخشى أن يُعاقب على مجرد طرحه لأفكاره، وأن الاعتراض على الأفكار لا يتم إلاّ عبر طرح الأفكار التي تفندها، فمن رأى خطأ في فكر أحد من البشر فله أن يناقشه علناً باستخدام الحجة والبرهان لتبيان خطئه، ويشرح ما يراه صواباً, لا أن يلغيه بتكفير صاحبه والاستعداء عليه بالمطالبة الصريحة بقتله، فهذا أمر لا يقبله العقل ولا يقرّه الشرع، فالإنسان المُكْرَه على الإيمان إن وجد لا إيمان له، لأن المؤمن لا يوصف بهذا الوصف إلا إذا وقر في قلبه الإيمان ونطق به لسانه وعملت به جوارحه، فلا إكراه في الدين وما مُنح البشر حق الاختيار إلا ليكون إيمانهم عن اقتناع.
إن تهديد أهل الفكر والرأي بتكفيرهم وما يترتب على ذلك من التحريض على قتلهم يُعيق الحراك النهضوي والفكري والعلمي والأدبي في البلاد، وإطلاق الفتاوى بالتكفير عند الاختلاف على الأفكار والآراء هو استهداف حقيقي لحركة النهضة في أهم مجالاتها، حيث إنه يشل تلك الحركة ويقضي عليها في مهدها.
من أجل هذا أعلن بوضوح أنني وأي شخص عاقل في هذا الوطن نرفض فتاوى التكفير التي طالت كل أصحاب الفكر كما أنه يجب علينا أن نرفض هذا الأسلوب لمواجهة الأفكار والآراء، ونطلقها مدوية لا للتكفير ونعم لحرية التعبير وفق حدود الشرع، ونطالب المجتمع أن يواجه هذا الأسلوب بالرفض التام ونطالب الجهات الرسمية بموقف حازم تجاه منتهجي هذا الأسلوب حفاظاً على أمن وأمان المجتمع، وللحفاظ على حقوق كل ذي عقل في حرية التعبير التي تتيح لمختلف الآراء والأفكار، أن تطرح بشفافية تامة ليبقى منها الناتج الصحيح، ويتوارى الخاطئ عبر النقد البناء، فليس لأحد أن يفرض وصايته على المجتمع فيرى أن ما يطرحه محضَ إيمانٍ وما يطرح الغير كفراً وإلحاداً، ولا يُخشى في رأينا على الإسلام من أي رأي يتم التعبير عنه ما دام الحوار حوله ومناقشته متاحاً، وإنما يُخشى على الإسلام ممن يطرح فهمه له على أنه الدين, ويعطي نفسه الحق في أن يُخرج عن دائرته من شاء بتكفيره. إن هذه الأساليب الترهيبية التي تصل إلى حد التحريض على استباحة دماء المسلمين، تحت مظلة الوصاية واحتكار فهم الحقيقة الدينية تنذر بعواقب وخيمة على الأمن والسلم الاجتماعي في وطننا الغالي.
لا بد أن نروض عواطفنا ونشعل فتيل تفكيرنا وأن نذود عن وطننا من أجل أن نرتقي بمنهج إصلاح اتخذه الملك العادل عبدالله بن عبدالعزيز نبراسا ومنهجا يضيء لنا دروب مستقبل مشرق.
ما بين السين والميم (لا) وما بين النور والظلام كلمة.
جدة