يقال إنه لا يعبر عن مشاعر المرأة إلا المرأة، في القصيدة أو اللوحة أو حتى في القصص والروايات أو الحكايات والأساطير التي تكون المرأة فيها مركزاً ومنطلقا لفكرة أي من تلك السبل، ويأتي هذا القول تأكيداً على أن ما يمكن أن يقال على لسانها شعراً أو ما يتم من تشكيل في لوحة لفنان أو منحوتة تظهر المرأة فيها وهي في وضع حزن أو فرح لا يمكن أن يكشف حقيقة تلك الحلات التي تسكن أعماقها وتشعر بألم التعبير عنها حينما تعيد صياغتها وترتيب مضامينها لتصبح بيتاً في قصيدة أو شكلا في لوحة أو جزءاً من مسلسل لا يشاركه في مثل هذه الاحساس جنس آخر غير جنسها ولهذا فهناك فرق كبير بين أن تكتب المرأة قصيدتها أو ترسم لوحتها أو تسرد حكايتها، هذا الواقع يمكن الاستشهاد عليه بما تقدمه المرأة في كل تلك الأدوات وطرق التعبير ولنا في ما نشاهده من إبداع قامت على تنفيذه مبدعة تشكيلية ما يشعرنا بمصداقية وصدق تعبيرها عكس ما يمكن الشعور به عندما تكون اللوحة لفنان، وفي المعارض التي تشارك بها المرأة مشاهد وشواهد لهذه التجارب الكثير من المبدعات أثرين الساحة وجعلن من إبداعهن رسائل مباشرة من الوجدان إلى أعين الآخرين، إن كان ذلك عن قضايا معينة عامة أو أسرية تلامس مساحات وحدود الخصوصية أحياناً وأغلبها ما يتعلق بالمشاعر والعواطف والنظرة إلى الحياة بمنظار المرأة المرهف الشفاف المحكوم بقبول أو رفض من الرجل ويقابله الكثير من الحدود أو نقاط التحذير (قضية أزلية لا تتعلق بمجتمع معين).
تكتب الشعر رسماً
عنوان معرض الفنانة التشكيلية سلمى حمزة غوث الأول (رؤى في قصائد مرسومة) يحمل معنى عميق ووصف لا يمكن الإمساك به بقدر ما يظهر كالطيف الملون يذكرني بقصيدة لنزار قباني يرحمه الله (الرسم بالكلمات) ختمها قائلاً (كل الدروب أمامنا مسدودة.... وخلاصنا.. في الرسم بالكلمات) قالت إنها تقدم عبر هذا المعرض رؤى وخلجات في قصائد مرسومة تحتوي على مواضيع تصويرية التعبير عن بعض الزخم المصخب برؤى وخلجات كامنة في الروح والفكر، وجدت طريقها للتجسيد من خلال الرسم التصويري الموضوعي أو الذاتي كمتنفس جمالي لمكنونات النفس تستمد منها معنى أو رونق، وقد تستطيع كما تقول إلى الايحاء إلى المتلقي.. ممن يثري الأدب والشعر فيستلهم أو يستنبط قصة أو قصيدة من مواضيع لوحاتها.
المرأة المصدر والقضية
جمعت الفنانة سلمى غوث كل أطراف ونماذج المدارس التشكيلية من رمزية واقعية وسيريالية ورومانسية تعبيرية التي تعود في أصلها إلى الأدب وفنونه ومسمياته التي طبعت على الفنون التشكيلية بعد الثورة الفرنسية، قدمت في معرضها الأول كل خلجاتها وجعلت من المرأة بعمومية موقعها المصدر والقضية دون النظر لمكان وجود تلك المرأة أو انتماءها الجغرافي أو الاجتماعي أو الديني التي تشكل في كثير من الأحيان حدودا أو فواصل تعيق تعبيرها عن بنات جنسها في كل بقاع الأرض، مع ما منحته لواقعها ومحيطها من حق التعبير فقدمت في معرضها الأول عدداً لا بأس به من تلك الأعمال التي قسمتها إلى ثلاثة أقسام كل منها يتضمن عناوين أدبية طبعت بالحس التشكيلي القسم الأول (وجدانيات) ويشتمل على لوحات تحمل العناوين (أمنياتنا، الهمسة الأولى، نهاية وبداية، قهر الطموح، مهرة ومعجبين، الحب المنتظر، رومانسية في الأحلام، لوعة الفراق، زورق الحرمان، احتراق أمنية، رحلة أمل، غربة الروح، إطلالة أمل) أما مجموعة الاجتماعيات فقد عنونتها بالتالي (إحباط مثقفات، هموم البطالة، صداقة حميمة، حماس في عصر التحديات، فرصة ضائعة، انفصال أحمق، هيمنة، مركبة طلاق، احباط مثقفات، هموم البطالة، أما مجموعة صفات أنثوية فقد جاءت عناوينها كل التالي (جاذبية، المدللة، عمق، غرور) واختتمت مجموعاتها بمجموعة رؤى من الأحداث تضمنت (رحيل أميرة القلوب، شيطان 11 سبتمبر، جريمة حرب، ردة فعل الحرب، معاناة الأمة العربية، مأساة الأقصى).
هذه العناوين تؤكد أن الفنانة سلمى لا تتعامل مع اللوحة بمحض الصدفة أو بما يتراءى لها وقت وقوفها أما سطح القماش الأبيض وترك الفرشاة والألوان تمارس حضورها دون خط سير أو بوصلة، فالفكرة عند الفنانة سلمى هي المحرض وهي الباعث للإبداع فهي كما قالت تكتب قصائد وتروي حكايات بالخطوط والألوان التي تقرأ بكل اللغات تاركة للمشاهد التأويل أو التخيل مع ما منحته من عناوين للوحاتها مع أنني لا أحبذ مثل هذه التسميات إلا لتوثيق العمل عند تسليمه للجهة المنظمة حفظا للحقوق، ختاماً نقول إن عودة الفنانة سلمى غوث للساحة وبهذا الزخم من الإبداع والفكر يعني الكثير في وقت تكاثرت فيه الضباء على الساحة.
-
+
monif@hotmail.com