أيُّ فردوسٍ انسَلَّ منه النساء
وسكبنَ السَّرابَ
على....
سُبات السابلة؟
نُهرِّب ماءَ السماء في سواد المساء
(من قصيدة أي فردوس انسل منه النساء لفوزية أبو خالد)
امرأة انسلت من فردوس الشعر، كتبت للحب، للحياة، للنساء، تلك هي الدكتورة فوزية أبو خالد التي هربت ماء السماء إلينا وروت عطش فضولنا بهطول حروفها شعرا، وجمالا. أن أكتب عنها اليوم فهو ليس إلا تلويحة لها وهي في الغياب هناك حيث تحفها ملائكة الرحمة وحبنا ونوايانا. لقد كتب عنها الكثير ممن عرفوها عن قرب، والأصدقاء والمجايلين لها. وسأكتب اليوم بصوت جيل عرفها حين نضجت كل حقول فكرها وأثمرت سنابل شعرها وجميعنا قد نكتشف شاعرنا أو ملهمنا ربما مصادفة على طريق الفكر كما على طريق الحياة، وقد عرفتها يوما حين بدأت أتلمس أبجدية الشعر، حين بدأت أبحث عن نساء يكتبن شيئا يشبهني، يكتبن حياة تشبه النساء هنا وجدت الدكتورة فوزية أبو خالد الشاعرة ثم الباحثة وعرفت أني بدأت بمعرفتها على طريقتي وقرأتها على طريقة من وجد ثمرة سيغرسها في حقول معرفته لتنمو.
لطالما أردت الالتقاء بكل النسوة الهاربات من قطيع الجموع، ومن حجرات الظلام، ومن سلاسل القبيلة.. وكانت الشاعرة فوزية أبو خالد أحد أهمهن حين وجدتها في قصيدتها:
« طلعت من منابت القبيلة
أو من رحلة الشتاء والصيف
أو من جذور اللون في حرائق الطيف».
قليلة هي المرات التي التقيتها لكنها كانت كبيرة بحجم المحبة والتقدير الذي أكنه لها، وبحجم من تكون فوزية أبو خالد. حين صدر كتابي الحريم الثقافي احتفت به على طريقتها وحملت نسخ منه إلى لندن لتهديها لدار نشر عربية هناك، لم تكن التقت بي من قبل. ويوم التقينا ذات مساء. أخبرتني بهذا وقالت لي : أنا فخورة بك واحتفيت بكتابك..، كم من المرات يمكن أن نلتقي بمن يحمل لنا بياض النوايا..! تلك كانت فوزية أبو خالد.
وفي بحثها «النساء والإبداع -بين مخالفة الصورة النمطية للمرأة في الذاكرة الجماعية وبين تفكيك الخطاب السائد» كان كتاب الحريم الثقافي ضمن مراجعها. ليس هذا كل ما هي عليه الشاعرة فوزية أبو خالد بل هي أكثر من هذا. امرأة حملت لنا مشعل ضوء وقبس من حكايات شعر ملونة غمرت بها ذاكرتنا، وأرواحنا حين نستعيد صور نساء كتبن لنا طرقا وتعاويذ من حب لتلهمنا الطريق إلى الفردوس الذي انسل منه النساء.
إن الدكتورة فوزية هي من النساء اللواتي يجب أن نطلق عليهن لقب «الملهمات» فلست أميل إلى مسمى «رائدات» بقدر ما أجد أن ما عليه الدكتورة فوزية أبو خالد هو انسياب ملهم تدفق إلى عوالمنا اليوم ليملأنا فخرا بها واحتفاء بكونها هنا بالقرب منا.
إنها المرأة التي عملت بوعي شفاف وخلقت هوية شعرية حين قطفت ورق قصيدة النثر من جنة الشعر وأنبتتها شعرا وفكرا وعبقا فشكلت منعطفا مختلفا وألهمتنا معنى أن لا نكتفي بما هو موجود وسائد وأن علينا أن نمد وعينا خارج تلك الدائرة ونقتبس من سماوات الفكر بقدر ما تتسع له أوراقنا.
هي لم تكن تحمل مشروعا شعريا مختلفا فحسب، بل حملت لنا أكثر من هذا، أخذتنا معها إلى حيث
نستمطر الوقت عمراً وصبراً جميل
نستمطر الطرقات...
وطناً
فوزية أبو خالد شاعرتنا الجميلة بكل ما تركته لنا، وبكل ما أوحى لنا بهذا النداء في الغياب عودي إلينا نستمطر الطرقات وطنا ينتظر أن تعودي إليه محملة بزنابق الأمل لتكتبي لنا عن فردوس نساء ننسل منه مرة أخرى.
-
+
salmoshi@gmail.com
- الرياض