كلما تبصر متأمل ما آل إليه الواقع، حيث تبدل سريعاً ظاهر الأحوال وتغيّر في تأصيل عميق باطنها لن يخفى عليه الوقوف على مظهر ما أصيب به من اتسموا بتصحر الأفكار وتصلب الآراء زمناً طويلاً، حيث منهم من أخذت الدهشة ما تبقى من عقله، وفريق آخر لحق الركب هرولة فاستطاع وما استطاع، ومنهم من كأنما حلت بداره الطامة الكبرى، تراه صدم صدمة لا استفاقة بعدها لكنه زاد فتمادى وآثر الغي انكفاءً وانزواءً على ذاته يسمع عويله كل عابر لبابه! و يستئذي بأذاه كل ناصح له أو حتى صامت عنه!
إن تصحر العقل يعطّل البدن عن الفعل،كيف بمن حرم عقله عن الغذاء الجيد مما حوله خشية ورهبة أو إيثاراً لراحة ودعة، ينتقص حاجته وحاجة من حوله، ثم أتراه يجيد هندسة أو حبك فكرة أو أن يتولى أمراً ضئيلاً كان أم هائلاً.. نهايته معلومة وبضاعته كاسدة وأرضه قبل هذا وذاك كلها بوار!
إن بروز شمس الحضارة وانكشاف غربالها لا يكون إلا عندما يعيد أفراد تلك الحضارة اكتشاف ذواتهم وكشف الغمة عمّا ترسب في عقولهم واعتادت عليه نفوسهم من قبيح العادات وأضر المعتقدات بلا دعوى وادّعاء وعذر أو اعتذار.كما بفرد تغير التاريخ بكل فرد كذلك يتغير انجراف مجتمع وتتلاشى عوائقه.
وعندما يكون ذلك ستتضح للكثيرين الرؤية السديدة لما حولهم فيتبعهم قريبهم وأباعدهم، ولطالما كانت النفس أسيرة الارتقاء لمعالي وصفوة الأمور وإن حادت دهوراً وهي مسحورة كذلك بشغف نحو سؤدد القيادة ومجد الريادة وحظوة التأثير.
هي فقط أخذ عهد وتطبيق وتطوير وبعد هذا حتماً لن يكون أي تغيير إلا بشارة وإيجاباً ومتى كان الخمود كان التقهقر واللا وجود وإن ادّعى مدّع موءود.
مجمل القول:
اتباع التقاليد لا يعني أن الأموات أحياء، بل إن الأحياء أموات» ابن خلدون».
-
+
- البكيرية