ملاحظات من المترجم:
(1) قمنا بتعريب مصطلح «البست سيلر» Bestseller الإنجليزي وكتبناه بالحروف العربية هكذا «بست سيلر» وهو يعني «الأكثر-الأفضل مبيعا».
(2) الكلمات الموضوعة بين هلالين، كذا)...)، هي للمترجم.
ويود المترجم إهداء هذه الترجمة إلى:
جميع الروائين والروائيات في المملكة المغربية
تقديم المترجم البروفسور روجر آلن هو أول طالب يحصل على الدكتوراه في الأدب العربي المعاصر من جامعة أوكسفورد العريقة عام 1968. وهو حاليا أستاذ «اللغة العربية والأدب المقارن» ورئيس قسم «اللغات وحضارات الشرق الادنى» في جامعة بنسلفانيا الأمريكية. وهو مؤلف كتاب «الرواية العربية»، الطبعة الثانية، 1995. و»مقدمة للأدب العربي»، 2000، وهو ايضا مترجم للعديد من الأعمال الأدبية العربية بما في ذلك خمس روايات لنجيب محفوظ رحمه الله. وهذه الورقة البحثية القصيرة نشرت في عدد خاص (بدون تاريخ) من نشرة «وجهات نظر» («?يو بوينتس» View Points) بعنوان «حالة الأدب والفنون في الشرق الأوسط» التي يصدرها بصورة غير دورية «معهد الشرق الأوسط» The Middle East Institute الاستشراقي المؤيد للعرب الشهير في واشنطن دي سي. وحسب بحث المترجم، كتبت هذه الورقة في صيف 2009. هذا وقد أضاف المترجم ملحقا مهما بعد هذه الورقة عبارة عن ترجمة لرسالة الدكتورة مارلين بوث، مترجمة كتاب «بنات الرياض» إلى الإنجليزية التي أرسلتها إلى ملحق تايمز الأدبي TLS بجريدة تايمز اللندنية حول إشكالية ترجمة هذه الرواية وقد وضعنا لها عنوان «فضيحة ترجمة بنات الرياض».
الورقة:
عندما كنت أشارك في مؤتمر الرواية العربية في إمارة الشارقة عام 2008 سألني صحفي عربي خلال مقابلة معي عن رأيي في رواية صدرت لها عدة طبعات عربية مؤخرا وهي «بنات الرياض» لرجاء الصانع وقبل أن أجيبه، سألته: لماذا اختار هذه الرواية بالذات. أجابني قائلا: إنه كان من ضمن عدة نقاد مهتمين بأنماط الرواية العربية الحديثة والذين أدهشهم كيف ان رواية كتبتها طبيبة أسنان سعودية عمرها 23 سنة فقط على هيئة رسائل الكترونية متبادلة بين 4 فتيات يعشن في السعودية أصبحت تستحق الترجمة والنشر باللغة الانجليزية وبواسطة ناشر شهير ليس أقل من «بنغوين بوكس»!!
أجبته ان هذه الرواية يمكن تشخيصها كنوع من «البوح الفضائحي» lid-off وتعرية المجتمعات في كتابات الشرق الاوسط أي أنها رواية يتلهف على خطفها الناشرون الغربيون لكي يمونوا سوقا من القراء الفضوليين المهتمين جدا بالحصول على إضاءات «لعالم غامض ومغلق بالنسبة لهم». أيضا أشرت إلى أن «بنات الرياض» نقدتها الصحافة الأدبية البريطانية باستمرار وقسوة حول امر جوهري وهو التشكيك في انتمائها لجنس الكتابة الخيالية Fiction (تعليق المترجم: أي عدم انتمائها للجنس genre الأدبي المسمى «رواية» ولهذا قد يصح وصفها ك»كتاب» لا «رواية»!!) وأن هذا العمل يبدو جزءا من ظاهرة عريضة في عالم النشر، وهي ظاهرة تفرض تحديات مثيرة وهامة لمعايير التقييم النقدي، خاصة في مجال «البين-ثقافي» intercultural في عالمي الترجمة والنشر.
بالإضافة إلى ذلك، اقترحت عليه عملين آخرين: «ذاكرة الجسد» للكاتبة الجزائرية أحلام مستغنامي، و»عمارة يعقوبيان» للكاتب المصري علاء الاسواني وهو مثل الصانع طبيب أسنان أيضا!! وهما عملان يثيران قضايا مشابهة. وبعد شهر واحد من هذه المحادثة استخدم الدكتور تيتز روك من جامعة غوتبورغ بالسويد نفس هذا الثالوث الروائي ليشرح فكرة «انبعاث البست سيلر العربي» في بحث قدمه للمؤتمر الاوروبي الخاص بأساتذة الأدب العربي المعاصر عقد في مدينة أوبلاسا بالسويد.
هنا أيضا نجد انفسنا نواجه حالة بها 3 روايات من مناطق مختلفة في العالم العربي حصلت على تقييمات نقدية متفاوتة من مجتمعاتها النقدية المحلية، ومع هذا، بل وبالرغم من ذلك، باعت جميعها نسخا كثيرة جدا بالعربية بطريقة غير معتادة، وبعد ذلك، ترجماتها باعت أيضا بطريقة ممتازة للغاية في الأسواق الغربية.
وبينما كما أسلفت لست مهتما هنا بتقييم نقدي لهذه الروايات الثلاث، من المهم أن أذكر إنه من بين هذه الروايات العربية البست سيلر الثلاث فإن رواية مستغانمي المذكورة حصلت على أكثر استقبال إيجابي من مجتمع النقاد الغربيين على الأقل في نقاش محتواها. ويجب التنويه كذلك أن الأسواني كان موضوع مقال هام في مجلة الأحد لصحيفة نيويورك تايمز وهي أهم صحيفة أمريكية بعنوان «من أين يكتب علاء الأسواني» في 27 أبريل 2008م.
في الفقرات التالية، أود ان أفحص هذه الحالة بتفصيل اكثر، وعند فعل ذلك، المساحة لا تكفي لإضافة رأي إضافي عن التقييمات النقدية الأخرى التي ظهرت بالفعل. وبدلا من ذلك سوف أركز على بعض المضامين لحالة يكون فيها جمهور القراءة العام لكل من الرواية الأصلية والمترجمة يبدو أنه يصل إلى استنتاجات تقييمية عبر تطبيق معايير مختلفة للغاية عن مجتمعات النقد المحلية سواء في المجال الأدبي العام أو الأكاديمي.
وفي مقاربة نظرية للقضايا المطروحة، أتذكر أنه في مؤتمر أوبلاسا المذكور سابقا، لفت الدكتور ستيفن غوث من جامعة اوسلو الانتباه لمشروع جديد عن «ما بعد بعد الحداثة» post postmodernism. وضمن سياق الرواية العربية، لاحظ «عودة» أنماط كتابة تقليدية ل»ما قبل بعد الحداثة» للواقعية النقدية، والكرونولوجي (الزمن) البسيط، وعدم التشظية، والراوي العليم» بينما كما قلت سابقا يأتي هؤلاء الروائيون الثلاثة من مناطق مختلفة من العالم العربي وينتهجون طرقا مختلفة للسرد إلا أنهم متحدون في تجنب الغموض، والشك، وتعقيد الأسلوب وتعقيد الجنس الأدبي genre الذي يعتبر خاصية مميزة للإنتاج الروائي العربي في السنوات الاخيرة وبواسطة كتاب مختلفين تماما مثل إلياس خوري وابراهيم نصر الله وإبراهيم الكوني على سبيل المثال لا الحصر.
خلال عقد الثمانينيات عرّف الروائي المصري إدوارد خراط خاصية اخرى خلال المناقشات النقدية عن الحداثة عندما ابتكر مصطلح «الحساسية الجديدة» لكي يصف موضات حديثة في أنماط كتابة الرواية العربية لعل أهمها العودة إلى الكتابة «عبر النوعية» trans-generic للجنس الأدبي، والتعقيد الأسلوبي المتعمد (مقدما أمثلة عديدة في إنتاجه الروائي)، وفي سياق كهذا فإن الروايات الثلاث السابقة يبدو أنها بالفعل تقدم «عودة إلى التقليد» (مستعملين وصف غوث)، وابتعادا عن الغموض والتعقيد لرواية ما بعد الحداثة، والتحول من الاسلوب الحواري إلى دور الراوي والسرد في الرواية (إذا استعملنا مصطلح ميخائيل باختن الشهير) لصالح أسلوب المونولوج. بينما بعض هذه الروايات تستخدم السرد لوصف وجود أكثر من صوت، وهذه دعوة للقاريء لكي يرتاح ويترك السارد يروي له بدلا من أن يشرح له.
ومع هذا وضمن المستوى النظري، فإن عددا من القضايا تبرز بخصوص ترجمات هذه الروايات، وأسباب اختيارها وعمليات الترجمة ذاتها.
وأتذكر هنا المقال الشهير عن طريقة الترجمة للفيلسوف الالماني فريديرك شلايرماخر الذي اقترح احد الاحتمالين: «إما أن يترك المترجم المؤلف بسلام قدر الإمكان وينقل القارئ نحوه. أو يترك المترجم القارئ بسلام قدر الإمكان وينقل المؤلف نحوه».
لورنس فينوتي عالم الترجمة الشهير يشير إلى خاصية غير محببة للأنماط الحالية من العولمة الاقتصادية قائلا: ضمن عالم الاستعمال اللغوي هناك ميل متزايد نحو التوحيد اللغوي في العديد من القطاعات وأنه في عالم الترجمة يقود إلى ما أسماه الأسلوب التوطيني Domestication وخاصة في عالم النشر باللغة الإنجليزية وهذا يعكس بوضوح الاحتمال الثاني السابق ذكره للفيلسوف الالماني شلاير ماخر. ان عملية ترك «القارئ بسلام» تبدو واضحة في القضية رغم اختلاف الدرجة مع هذه الروايات الثلاث وبالاخص في رواية «بنات الرياض» لأن المترجمة مارلين بوث لهذا العمل بالانجليزية كما كتبت في رسالة توضيحية إلى ملحق تايمز الأدبي (قام المترجم بترجمة نص الرسالة الكامل بعد هذه الورقة) جاء فيها: «النص النهائي مع لغته المستهلكة-المبتذلة ومسح الحِكَم العربية التي ترجمتها، ووضع هوامش غير ضرورية أسفل الصفحات، كل هذه التدخلات لا تعكس الاهتمام الذي بذلته لإنتاج ترجمة بلغة حية وطبيعية وسلسة».
وفي مستوى عملي أكثر ولكن مع هذا في ضمن نفس سياق الترجمة واستقبالها تتم الإشارة دائما أن نوع الكتابة في هذه الروايات «شجاع» من حيث ان هؤلاء الروائيين يعالجون قضايا حساسة ويكتبون عنها داخل مجتمعات يكون وجود وتطبيق فكرة «حرية التعبير» على أحسن الأحوال مبهم وخاضع للعديد من الضغوطات المحلية غير المحببة. إنها بالطبع، هذه الفكرة بالذات التي تجلب في الأصل انتباه الناشرين الغربيين وقرائهم المأمولين لهذه الأعمال. إذا كنا نتحدث عن جزائر مستغانمي أومصر الاسواني أو سعودية الصانع، وإذا كان الموضوع سياسة، أوفسادا، أو جنسا فإن هذه الأعمال تجد قراء جاهزين لما تحاول كشفه بصورة «خيالية» روائية. وبالرغم من كون ترجمات هذه الروايات تستحق امتياز التفسير-التحليل-الفهم الخيالي والساخر، فإنه تتم قراءتها دائما على أنها «تعرية» لمجتمعات غامضة. ويمكن للمرء أن يتساءل على سبيل المثال: كم عدد القراء الذين قرؤوا «بنات الرياض» وقرأو أيضا أو يمكن إقناعهم بقراءة أعمال حنان الشيخ، أو هدى بركات، أو سحر خليفة، أو رضوى عاشور، أو ليلى أبو زيد على سبيل المثال كروائيات نسائيات من نفس المنطقة العربية وجميعهن مرة اخرى يطرحن قضايا في مبادئ علم الجمال ومن يطبقها، وعلى أي أساس.
ولهذا وجدت هذه الروايات الثلاث جمهورها في عالم أصبحت فيه العولمة موحدة، المرئي يميل ليحل مكان النص المطبوع والترجمات تتطلب توطين domestication في جميع الحالات التي تتضمن اللغة الإنجليزية والطبائع والمعايير الثقافية والفنية لقرائها.
تفضيل شلاير ماخر الواضح لمصطلح «تغريب الترجمات» Foreinerization يواجه بوضوح مشاكل عميقة عندما تكون قرارات النشر مبنية على «التسويق» في الأساس (أي الاقتصاد) التي تشتملها المعايير السابقة.
وفي حقل الرواية العربية وترجمتها ودراستها اقترحت من وقت لا بأس به أنه كما يحتاج التاريخ لإعادة كتابة بصورة مستمرة (كما ذكرنا أوسكار وايلد) فإن هذا أيضا ينطبق على التأريخ الأدبي. تركيزي حتى الآن كان على بدايات الرواية في القرن التاسع عشر، ولكن، الأمثلة التي تمثلها الروايات الثلاث تتطلب بوضوح، كما في مشروع ستيفن غوث ومقالة تيتز رووك، نظرة اخرى على العناصر التي بموجبها يمكن تقييم الموضات الحديثة ودمجها في أي تحديث لتاريخ الرواية العربية.
ملحق من اختيار المترجم بعنوان
«فضيحة ترجمة «بنات الرياض»»
أرسلت الدكتورة مارلين بوث، وهي مترجمة «بنات الرياض» إلى الإنجليزية الرسالة التوضيحية التالية إلى ملحق تايمز الأدبي TLS بجريدة تايمز اللندنية وهو أشهر وأقدم ملحق أدبي في العالم الناطق بالإنجليزية بتاريخ 28 سبتمبر 2007 بخصوص عملية ترجمة ثم نشر «بنات الرياض» بالإنجليزية. والعنوان السابق من اختيار المترجم.
سيدي: اسمي يظهر في صفحة عنوان «بنات الرياض» للمؤلفة رجاء الصانع ك «مترجمة مشاركة»!! ولهذا قد يبدو شاذا أو غريبا عندها عندما أقول أنني أتفق تماما مع ما قاله الروائي والناقد الكندي د. ستيفن هينغهان في مراجعته ل «بنات الرياض» في ملحق تايمز الأدبي TLS في 27 يوليو 2007 عندما قال: «الفضيحة في النص الإنجليزي تكمن في الترجمة». إنه على صواب حول أوجه الإخفاق العديدة في النص الإنجليزي. ولكن هناك «فضيحة» هنا لا يعلم عنها هينغهان. فعندما سَلّمت ترجمتي إلى دار بنغوين بوكس كاملة باستثناء مصطلحات عامية من اللهجة سعودية وعدتني المؤلفة بمساعدتي في ترجمتها، أخبروني أن المؤلفة تنوي أن تعيد كتابته (تعليق المترجم: هناك احتمالان: إعادة كتابة النص العربي أو الإنجليزي ل «بنات الرياض»، ولكن من سياق رسالة بوث يتضح أنها تعني قيام الصانع بتنقيح النص الإنجليزي!! وهذه جرأة غير محمودة مطلقا في أي زمان ومكان لعدم وجود خبرة في الترجمة عند رجاء الصانع ونتج عن هذه الفعلة كارثة ثقافية كما أثبتت الدكتورة مارلين بوث).
ولهذا وبعد ذلك، تم إبعادي تماما خارج عملية إنتاج الكتاب في الطبعة الإنجليزية!! النص النهائي مع لغته المستهلكة-المبتذلة ومسح الحكم العربية التي ترجمتها، ووضع هوامش غير ضرورية أسفل الصفحات، كل هذه التدخلات لا تعكس الاهتمام الجاد والمهني الذي بذلته لإنتاج ترجمة بلغة حية وطبيعية وسلسة وهي عناصر حاسمة في رسالة الرواية لنقد المجتمع السعودي المتعولم!! وبالطبع قراري بترك اسمي على صفحة العنوان وهو بالمناسبة القرار الوحيد الذي سمح لي به الناشر في عملية نشر النص باللغة الإنجليزية (!!) يعني أنني أبقى مسؤولة جزئيا على عمل لم أعط أي مسؤولية حقيقية لصنعه!!
من المؤسف أن رواية مكتوبة بلغة مرحة ومليئة بالمجانسة والتلاعب بالكلمات من عدة لغات تم تنقيحها بواسطة مؤلفة النص العربي!!
لكن ربما كانت الفضيحة الأكبر، مع هذا، هي النظرة الدونية من قبل بعض الناشرين والمؤلفين للمترجمين بحيث يعتبرونهم خدما وضيعين بدل كونهم فنانين مبدعين. وهذه نظرة تشكلت عبر تقليد قديم في الثقافة الأنجلو أمريكية باعتبار المؤلف عبقريا فريداً، والنظر للترجمة كعملية ميكانيكية!! وتم تعزيز هذا المفهوم الخاطئ بنظام النجوم التي تمنح عند تقييم العمل في عالم النشر. ولذلك لا يجب أن يتفاجأ المترجمون عندما أقول: إن الناشر والمؤلفة لم يحترما مهنيتي وخبرتي الكبيرة ولم يستمعوا لتحذيراتي بأن قراراتهم سينتج عنها عمل رديء.
* * *
د. مارلين بوث، مديرة برنامج دراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا في جامعة إلينويز الأمريكية، أربانا، إلينويز
بقلم: البروفسور روجر آلن
ترجمة وتعليق: حمد بن عبد العزيز الحمد العيسى، كاتب ومترجم سعودي مقيم في المغرب
hamad.alissa@gmail.com
المغرب