ربما يتابع الكثيرون الزاوية الخفيفة الرشيقة “حول العالم” للزميل فهد الأحمدي في صحيفة الرياض، وكانت يوم الخميس الماضي بعنوان “تشكيلي وأشكيلك”، عن مفهوم الفن التشكيلي وبعض المواقف العالمية “المضحكة” التي تدور حوله.
ولكن بعد الانتهاء من المقال استأت كثيرا، وتغيرت للأسف نظرتي قليلا عن الكاتب الذي طالما أعجبت بمواضيعه وأسلوبه في النقل والاقتباس من الأخبار والكتب العالمية بعد ترجمتها وإعادة طرحها بطريقة مبسطة.
وأوجِّه له اللوم على زاويته المعنونة ب(هل سبق وحضرت معرضاً للرسوم التشكيلية)؛ فيا ليته تأكد من معلوماته ومن مصداقية مصادرها.. فكيف يفتتح هنري ماتييس (Henri Matisse) معرضا عام 1960م، وقد توفي عام 1954م؟ وربما لو عرف شيئا عن هنري ماتيس لعرف أيضا عن التأثيرية بوصفها مدرسة فنية وعدم ابتعادها كثيرا عن الأسلوب الواقعي، إضافة إلى استحالة تنفيذ أعمال فنية بهذا الاتجاه من باب المصادفة أو دون امتلاك موهبة ومهارة، ثم إذا كانت تكعيبية وتجريدية بيكاسو (Pablo Picasso) غير مقبولة لديه فما هي مشكلة شافان (Chauvin) وأسلوبه الكلاسيكي المُحدث؟ إلا إذا كنت تقصد شاجال (Chagall)؟ أيضا أرجو أن ينيرني من هو روزيني هل قصد به (Cosimo Rosselli) من عصر النهضة؟ أم (Matteo Rosselli) من عصر الباروك أم (Dante Gabriel Rossetti) من القرن التاسع عشر؟ وفي كل الأحوال أعمال هؤلاء تسبق الحداثة التي استأت منها؟
ثم تتطرق لأمثلة لا تعدو أكثر من شذوذ القاعدة، ووجود مثل هؤلاء سببه جهل المتلقي الذي لا يستطيع التمييز بين التجريد بوصفها مرحلة فنية منطقية ذات أسس علمية والتجريد الذي يمارسه “المُدّعون على الفن” لصعوبة الإتقان؛ فلا يمكن أن نصف الفنون الحديثة والمعاصرة ب”الشخبطة” لمجرد أمثلة ركيكة.. ولو كنت يا أستاذ فهد من زوّار المتاحف والمعارض والمناشط الفنية باستمرار، أيضا لو كنت من المطلعين على تاريخ الفن والأساليب الفنية وسير روادها، لفهمت أصالة الفكر الإبداعي خلف الاتجاهات الحديثة، ولاستوعبت عبقرية التجريد، وإلا أفمن المعقول أنه يخفى عليك أصالة التجريد الهندسي في الفن الإسلامي؟ أو جمالية الخط في الفن العربي الذي لا يفهم معانيها سوى العرب.. فهل تعتقد أن غيرنا يراها شخبطة؟
ثم تقول إن جميع الاتجاهات الفنية ليس لها قواعد سوى المدرسة الواقعية.. أي طالب في كلية للفنون يستطيع تفنيد ذلك.. ولكن مساحة الزاوية لن تسمح لي بالشرح!!.. لم يكن يتوجب عليك الخوض فيما لا تعلم (من قال لا أعلم فقد أفتى)، كما أنك ذكرت في البداية جهلك بالمجال كونك من البسطاء؟! ولكن كيف لجريدة مثل الرياض أن تعطي مساحة يومية في الصفحة الأخيرة لشخص “بسيط”؟!
أساس المشكلة كامن في جهل المجتمع بماهية الفن، واليوم وبدلا من المساهمة في نشر الثقافة البصرية قمت - أثابك الله - بتعزيز هذه الإشكالية وإعطاء الجهلاء عذرا للاستمرار في جهلهم، والمصيبة بدلا من أن نعترف بالجهل في هذا المجال نقوم بالتقليل من هذا العلم (الفن التشكيلي) كي لا تهتز صورة المثقف التي نحملها.. بينما يعاتب عدد من المثقفين (في المجال الأدبي) غيرهم من المثقفين (في المجال الفني البصري) إذا لم يعرفوا من هو السياب أو الجواهري أو نزار أو من هي نازك الملائكة أو مي زيادة.. وهم لا يستطيعون تسمية فنان تشكيلي واحد (إلا من باب المعرفة الشخصية).
msenan@yahoo.com
الرياض