تتمتع ساحتنا الخليجية على وجه الخصوص والعربية عموماً بأسماء حفرت بأظفارها تاريخ الفن التشكيلي وأنجزت الكثير من الإبداعات التي خلدها الزمن وبقيت في ذاكرة الأجيال. فنانون لهم دور بارز في كل قطر عربي تجمعهم قواسم مشتركة، مصادر إلهام ومشاعر انتماء وتلاحم لإثبات الهوية.
يسرنا في هذا الأسبوع أن نستعرض جانباً موجزاً عن مسيرة فنان من دول مجلس التعاون الخليجي الذي يلتقي أبناؤه في الكثير من الأحلام.. والآمال.. والطموحات، تحقق منها ما نشاهده اليوم من رموز الحضارة المعاصرة مع التمسك بالقيم والمبادئ الأصيلة التي نتفرد بها ونعتز بالانتماء لها. ويأتي الفنانون التشكيليون جزءاً مهماً في مجتمع المبدعين الخليجيين الذين تنوع عطاؤهم وأصبح لهم به حضور عالمي. من هنا وبكل اعتزاز نستضيف هذا الأسبوع رائداً من رواد الفن التشكيلي في قطر لا تتسع المساحة إلا القليل مقارنة بما أنجزه وما قيل عنه. فنان وضع نصب عينيه هدفاً كبيراً نسج له بساط ريح من سعف النخيل وطرزه بزرقة البحر وألوان رمال الصحراء الذهبية لينقل عليه إبداعه إلى أعين الآخرين في كل الأقطار بروح ورائحة الوطن أرضاً ومجتمعاً.
فنان سبقته إبداعاته
فحظي بالانتشار
من محاسن الصدف أن التقي الفنان حسن الملا في مناسبة افتتاح معرض ارت دبي 2010، الذي أقيم قبل أسابيع في الجميرا بإمارة دبي بعد أن كنت أتابع إبداعه عن بعد وعلى مدى سنوات طويلة. وما يضيف اللقاء جمالاً أن يكون صاحب الفضل في هذا اللقاء الزميل الإعلامي النشط الأستاذ صالح غريب معد برامج ومذيع وصحفي قطري له حضور فاعل في كل الأوساط، منها تقلده مناصب ثقافية وفنية قربته من التشكيليين ومنهم ضيفنا هذا الأسبوع الفنان حسن الملا، فهما يشكلان ثنائياً في صداقة الطفولة وعشق الجمال والإبداع، فالأستاذ (صالح غريب) يملك أرشيفاً شاملاً عن المبدعين بقطر وفيه نصيب كبير منه للفنان حسن الملا من خلال تنقلهما معاً في العديد من الرحلات والجولات التشكيلية. هذا اللقاء مع الفنان الملا أكسبني الكثير من المعرفة من معلومات لم يكن الكثير منها خافياً إلا أن حديث الأستاذ صالح عن الفنان الملا أكثر تشويقاً مع ما تلقيته وعرفته عن قرب خلال أيام أربعة تمنيت أن تطول. كنت تعرفت على الفنان حسن الملا من خلال ما يكتب عنه وما جمعته من قصاصات كنا لا نجد مثيلاتها عن الفنانين التشكيليين إلا بشق الأنفس قبل حدوث ثورة المعلومات السريعة (ومنها الإنترنت) التي قربت المسافات مع أن الكثير منها غير موثق. لهذا كنت أعرف دور هذا الفنان الريادي في الحركة التشكيلية القطرية، وزادني علماً بها وبالكثير عن هذا الفنان ما تضمنه كتابه الذي صدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث بدولة قطر الشقيقة، من تأليفه وإعداده، تحدث فيه عن تجربته وضمنه عدداً كبيراً من الصور تؤكد ما حققه من حضور في قطر أو على المستويين العربي والعالمي. بهذا كانت أعماله ولوحاته تسبق التعريف به.
فنان مخضرم قادر
على تطوير إبداعه.
في كتابه المعنون (الفنان التشكيلي القطري حسن الملا ذاكرة الإنسان والمكان) مشاركات بأقلام شاهدة على إنجازاته، منهم الناقد العراقي خالد البغدادي الذي قسم مسيرة هذا الفنان إلى مراحل منها.. بداية الحلم.. محطات.. اللون والألم.. المرأة والوهم.. الإنسان والمكان.. المعارض والمشاركات الفنية.. وأخيراً.. لمسة أخيرة.. استعرض الناقد البغدادي مسيرة الفنان حسن الملا مروراً بكل خطوة ومحطة منها دراسته وبداياته ومن ثم الأدوار والمهام التي قام بها وصولاً إلى تحليل لأعماله، حيث استشهد بعبارات للفنان جاءت ضمن لقاء معه قال فيها الفنان الملا (أنا لا أتبع أسلوباً فنياً فالموضوع هو الذي يحدد أسلوب ووسائط العمل الفني. مشيراً الناقد البغدادي إلى أن هذه العبارة توضح سر ثراء وتنوع أعماله الفنية، سواء من حيث الخامات والوسائط، مثل ألوان الباستيل والاكرليك وبعض الأصباغ والخامات، أو من حيث الأسلوب الفني الذي تنوع تبعاً للموضوع ما بين التأثيرية والتعبيرية والرمزية.
نكتفي بهذه العبارات وهذا التعليق لنواصل الإبحار في هذا الكتاب الذي اختصر الكثير من البحث عن عالم هذا المبدع، لنتحدث عنه كإنسان صدق ما قاله الآخرون فيه، خلقاً وثقافة وبعد نظر، فنان يعمل أكثر مما يتحدث وإن تحدث أوجز. كانت الأيام الأربعة التي كنا معه فيها وخلال تجوالنا في معرض أرت دبي الذي يعج بمختلف الفنون والأساليب التي تطرح الكثير من علامات الاستفهام بما يحمله الكثير منها من غرابة في الفكرة والتنفيذ والخامات، إلا أن الفنان حسن الملا يتعامل معها بعقلية المبدع القانع بأن الإبداع يتحرك ويتطور ويتجدد. لم أسمع منه أي انتقاد أو تذمر كما شاهدته من بعض الصحفيين المرافقين لنا كون حضوري للمعرض متعلقاً بالجانب الصحفي، إذ لم يستسيغوا ما يرونه من خروج عن المألوف، في وقت يراه الفنان الملا إبداعاً لا يمكن الاعتراض عليه أو نفيه.
إضافة إلى أن الفنان حسن الملا مع ما يحمله من تاريخ موثق في كل سطر من تاريخ الحركة التشكيلية القطرية إلا أنه لم يتحدث عن نفسه بكلمة أو أن يستعرض تاريخه وسيرته التي يحق له أن يعتز بها تاركاً التعليق للآخرين مهما اختلفت تجاهه الآراء.
تنوعت الأساليب
والإبداع واحد
الفنان حسن الملا بدأ واقعياً ثم رمزياً وقارب السريالية مع أنه في تنقله يؤكد مقولته أن الفكرة تفرض عليه الأسلوب ومع ذلك استطاع أيضاً أن يجاري عصره ويطور أدواته فقدم العديد من الأعمال الحديثة التي تتماشى مع جديد الفنون وبذلك تجاوز مرحلته إلى السير المتوازي مع الأجيال الجديدة وهذه هي الطريقة المثلى والقدرة التي يجب أن يمتلكها الفنان.
تتلمذ الفنان حسن الملا على أيدي كبار الرسامين خلال دراسته الفنون في بغداد، مر فيها بمعظم المدارس والتيارات الفنية والتجارب. شارك الفنان حسن الملا في جميع المعارض الداخلية في قطر، كما يشارك في معارض دول مجلس التعاون الخليجي، وقد مثلت أعماله قطر في العديد من الملتقيات العربية والدولية في القطرية التي أقيمت في كل من فرنسا، وبريطانيا، واليابان، وكوريا، وباكستان، والهند، وإيطاليا، والأرجنتين، وواشنطن، ونيويورك، وبون الألمانية.
وكان الملا أحد المكرمين في مهرجان وملتقى الرواد والمبدعين العرب الذي انعقد في بداية العام 2009 في دمشق، حيث تم ترشيحه من قبل وزارة الثقافة السورية باعتباره أحد الرواد الذين أسسوا للحركة التشكيلية القطرية.
وحاز على العديد من الجوائز، كما شغل الفنان حسن الملا عدة وظائف فنية مهمة منها: مديراً لإدارة الثقافة والفنون، ورئيساً لمجلس إدارة الجمعية القطرية للفنون التشكيلية، كما اختير عضواً في عدة لجان تحكيم داخل قطر وخارجها، وله إسهامات في المشهد القطري تتميز بالإيجابية.
monif@hotmail.com