أرسل لي زميلي الدكتور سعيد المالكي رئيس قسم اللغة العربية بجامعة الملك عبد العزيز برسالة مفادها:» تدشين القسم العربي لشركة «جوجل» موقعًا لخدمة تشكيل الكلمات والجمل بما فيها - بالطبع - أواخر الكلمات على موقع http:tashkeel.googlelabs.com-، وقد سعدت بهذه الرسالة سعادة كبيرة، وقلت في نفسي حينئذ: لقد انتهت مشكلة الضبط الخطأ الذي نفاجأ به على صفحات الكتب والمجلات والجرائد، وقمت بمطالعة هذا الموقع حتى أطلع على هذا الجهد الجبار في كونك تدخل نصًّا غير مشكول، وتضغط على الزر فيخرج لك النص مشكولاً بقدرة قادر، وهذا عمل لا يمكن لأي أحد أن يقلل من أهميته أو ينتقص من هذا الجهد الذي لا يملك المرء أمامه إلا الإعجاب الشديد بما أنجز من خلال القائمين على شركة «جوجل» بقصد التيسير في إخراج النص العربي بصورة صحيحة وسليمة خالية من الأخطاء .
ولكن لا يمنعني هذا الإعجاب من تصريحي بالصدمة الشديدة التي صدمت بها عندما أردت اختبار هذا الموقع فكانت النتيجة بالسلب في كثير من الأحيان، وقد أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث وجدت - مع هذا الجهد الطيب - كمًّا كبيرا من الأخطاء الصرفية والنحوية والأسلوبية التي وردت في معالجة عملية الضبط، وقد أردت أن أنوه بنوعية الأخطاء حتى يتمكن فريق العمل من تفاديها لاحقًا إن شاء الله، وهي على هذا النحو:
1- واو رب يكون ما بعدها مجرورا بها محذوفة، مثل قول الشاعر:
وظباءٍ من بني أسد بهواها القلب مأهول
وقول الآخر:
وكريمةٍ من آل قيس ألفته حتى تبذخ فارتقى الأعلامِ
حيث جاءت كلمتا: ظباءٍ، وكريمةٍ بعد واو «رب» فجرتا بالكسرة، ولكن المشكِّل الإلكتروني لم يستطع أن يتعرف على نوع الواو، أو يدرك أن هناك حرفَ جر محذوف، وضبط الأولى «ظباءَ» بالفتح، في حين ضبط الثانية ضبطًا صحيحًا.
2- عدم جزم جواب الأمر كما في قوله تعالى:» أرسله معنا غدًا يرتعْ ويلعبْ» ولم يتمكن المشكِّل الإلكتروني من التعرف على جواب الأمر، وتعامل معه على أنه فعل مضارع مرفوع ( يرتعُ-يلعبُ).
3- التقديم والتأخير سمة مهمة من السمات اللغة العربية، حيث إنه يكون هناك تقديم واجب، أو تأخير واجب، مع مراعاة العلامة الإعرابية تبعًا لذلك المتقدم أو المتأخر، فنجد جملة كقولنا: «جزى فاطمةَ ربُّها خيرًا» قد أخطأ المشكِّل الإلكتروني الضبط فيها، وجعل فاطمة هي الفاعل، وربها مفعولا به هكذا « جزى فاطمةٌ ربَّها خيرًا»، ولم ينتبه المشكِّل الإلكتروني إلى تجريد الفعل من علامة التأنيث، ولو كانت فاطمة هي الفاعل لتوجب وضع علامة التأنيث في الفعل، لأن الفاعل مؤنث حقيقي التأنيث، إضافة إلى خطأ آخر وهو عدم مراعاة كون فاطمة ممنوعة من الصرف، ولكن المشكِّل الإلكتروني نونها.
4- لم يفرق المشكِّل الإلكتروني في كثير من الأحيان بين الأسماء الممنوعة من الصرف، والأسماء المصروفة، فجاء كثير من الأسماء الممنوعة عنده منونة، كتنوين « أحمد»، و» فاطمة» في قولنا:» ضربتْ أحمدَ هندُ أو فاطمةُ « بنصب أحمد مع عدم تنوينه، ورفع هند مع جواز تنوينها، ورفع فاطمة مع عدم تنوينها، لكن المشكِّل الإلكتروني قد ضبط المثال السابق على هذا النحو:» ضربت أحمدٌ هندٍ أو فاطمةً» وهذا لضبط قد اشتمل على العديد من الأخطاء في رفع أحمد مع تنوينه، والصواب نصبه مع عدم تنوينه لأنه ممنوع من الصرف، وجر هند بالكسر والصواب رفعها لأنها فاعل مع التنوين أو عدمه لأنها قد تصرف وقد تمنع من الصرف، ونصب فاطمة مع تنوينها، والصواب رفعها لأنها معطوفة على مرفوع، مع عدم التنوين لأنها ممنوعة من الصرف.
5- أخطأ المشكِّل الإلكتروني في ضبط الكلمات التي تقع صفات، وقد ضبطها بعلامات إعرابية غير صحيحة، ومن ذلك قولنا: اشتريت الكتاب بدراهم َ كثيرةً أو كثيرةٍ، ولكن المشكِّل الإلكتروني قد ضبط كلمة كثيرة بالرفع:» كثيرةٌ» وهو خطأ.
6- وقع المشكِّل الإلكتروني في كثير من الخطأ عند ضبط بعض الكلمات التي يحتمل فيها تعدد شكل البنية ودلالاتها، ولم يستطع التعامل معها إلا بما هو مزود به، ومن ذلك كلمة « ذكر» فإذا قلنا: « ذكر إبراهيم في العالمين « ضبط المشكِّل الإلكتروني كلمة « ذكر « هكذا « ذَكَرَ « على أنها فعل ماض، ومن الممكن مع هذا الضبط أن تكون كلمة إبراهيم منصوبة على أنه هو المذكور، أو تكون مرفوعة على أنه هو الذاكر، ومع ذلك فإن الكلمة تحتمل ضبطين آخرين هما « ذِكْرُ « وهذا الضبط يخرج الكلمة من حيز الفعلية إلى الاسمية، ويكون كلمة إبراهيم في هذه الحالة مجرورة لا غير، و» ذُكِرِ» بالبناء للمجهول، وعلى هذا تكون كلمة إبراهيم مرفوعة على أنها نائب فاعل، وهذه الأوجه المتعددة لشكل الكلمة الواحدة لم يستطع المشكِّل الإلكتروني أن يتعامل معها، وإنما اكتفى بعرض صورة واحدة ربما لا تكون هي المقصودة من المتكلم.
وبهذا النحو من الخلط، لم يستطع أن يفرق بين كلمة» سَحَر» الظرف الممنوعة من الصرف، وكلمة « سِحْر» المصدر في قولنا:» جئت يوم الجمعة سَحَرَ»، حيث ضبط كلمة» سَحَرَ» على هذا النحو « سِحْرٌ»، وهذا لبس كبير.
وقريب من هذا خلطه بين الفعل « يدعُ « المجزوم الآخر، بحذف الواو، في قولنا:» لم يدعُ خالدٌ « والفعل « يدعْ « المجزوم بالسكون بمعنى يترك في العبارة السابقة.
وبالنسبة للأفعال الثلاثية التي تنتهي بحرفين متماثلين وفي هذه الحالة يتم إدغام المثلين كما في حبّ وشدّ وعدّ، حيث إن المشكِّل الإلكتروني لم يستطع أن يضبط آخر الكلمة على نحو صحيح، وإنما اكتفى بوضع سكون على آخر الأفعال.
7- وإذا ذهبنا إلى العلامات الإعرابية وجدنا أيضًا كثيرًا من الخلط، فنجد المشكِّل الإلكتروني يرفع الكلمات التي حقها النصب، حيث رفع الحال في قول العلامة محمود شاكر» عب كاس الظلم طافحةً» فضبطها المشكِّل الإلكتروني « طافحةٌ « بالرفع وهو خطأ، وكذلك رفع المفعول به في قولنا:» عاقبت المهملَ « فضبطها المشكِّل الإلكتروني « المهملُ « بالرفع، وهو خطأ.
وشاهدت الشرطي والطالب حيث رفع المشكِّل الإلكتروني الشرطي وهو منصوب، وعطف عليه بالرفع أيضًا وحقه النصب، وضبط الجملة على هذا النحو: « شاهدت الشرطيَّ والطالبُ « وهو خطأ.
وكذلك أبدل من المنصوب بمرفوع وهو خطأ كما في قولنا « ضربت هذا الطالبَ « فإن الطالب تكون منصوبة على أنها بدل من اسم الإشارة، ولكن المشكِّل الإلكتروني قد جعلها مرفوعة؛ لأن الاسم المبني قبلها لم تظهر عليه العلامة الإعرابية.
ولم يتمكن المشكِّل الإلكتروني من التعامل مع معمول الخبر في الجملة التي تشتمل على معمول خبر، ولم يستطع إعرابه بشكل صحيح، ففي قولنا:» كان محمدٌ آكلاً طعامَك» ضبط المشكِّل الإلكتروني كلمة طعامك بالكسرة « طعامِك» وهو ضبط غريب.
وينصب ما حقه الرفع كنصب المبتدأ - في كثير من الجمل التي أدخلتها له- فمثلاً جملة:» كتابُه شيق» ضبط المشكِّل الإلكتروني كلمة « كتابه» هكذا « كتابَهُ» بنصب الياء ورفع الهاء، وهو خطأ، ولعل مرد هذا الخطأ يعود إلى أن المشكِّل الإلكتروني قد اعتبر الهاء هي حرف الإعراب، وليس الباء، وتعامل مع كلمة كتابه على أنها كلمة واحدة تنتهي بالهاء، وليس على أنها مركب إضافي.
ومن هذا الخلط بين العلامات الإعرابية عدم قدرة المشكِّل الإلكتروني على نصب اسم إن إذا تأخر عن الخبر كما في قولنا: « إن في البيت الطالبَ» و « إن حق علينا نصرَ المؤمنين» حيث رفع اسم إن في المثالين هكذا:» الطالبُ» و» نصرُ» وهو خطأ.
ومن أخطاء المشكِّل الإلكتروني جمعه بين التنوين والإضافة كما في كلمة رجال الشرطة حيث نون كلمة رجالٌ هكذا ولم يراع فيها الإضافة.
وهناك جملة من الأساليب لم يتمكن المشكِّل الإلكتروني أن يتعامل معها فتخبط فيها، ومن هذه الأساليب:
أسلوب التحذير والإغراء، ففي قولنا:» إياك والإهمالَ» يجب نصب كلمة» الإهمالَ» بفعل مضمر، لكن المشكِّل الإلكتروني ضبطها بالكسرة « الإهمالِ» وهو ضبط غريب، ولعل ذلك يعود إلى عدم وجود فعل ظاهر يتكئ المشكِّل الإلكتروني عليه.
كذلك في قولنا:» العلمَ العلمَ» بنصبهما على الإغراء، وقد ضبطهما المشكِّل الإلكتروني بالكسر في الاثنين» العلمِ العلمِ» مع أن نموذجًا آخر ك» النجاحَ النجاحَ» قد ضبطه المشكِّل الإلكتروني بشكل صحيح.
8- لقد وقع هناك خلط كبير في نوعية الضمائر ومواقعها الإعرابية، فمثلاً: تاء الفاعل من الضمائر التي يتعدد ضبطها ويتغير نوعية صاحبها ونوعه، تبعًا لهذا الضبط، فتكون مضمومة للفاعل المتكلم، ومفتوحة للدلالة على الفاعل المخاطب المذكر، ومكسورة للدلالة على الفاعلة المخاطبة المؤنثة، ولم يكن بمقدور المشكِّل الإلكتروني أن يتفهم هذه الأنماط الثلاثة، وإنما كان يضع علامة عشوائية لم يراع فيها التعدد الذي ذكرناه، فعبارة:» لست عليهم بوكيل» لا تحتمل التاء إلا ضبطين فقط، لستُ بالضم وتكون العبارة للمتكلم، و» لستَ» بالفتح، وتكون العبارة للمخاطب المذكر، ويمتنع كسر التاء من لست لعدم المطابقة بين العلامة لدلالتها على المؤنث، وكلمة بوكيل التي تدل على المذكر، ولقد اختار المشكِّل الإلكتروني من هذه الوجوه الثلاثة الوجهَ الأخير المرفوض من بينها، والعكس في هذه العبارة لو كانت « لست عليهم بوكيلة» مثلاً لا تتحمل إلا ضبطًا واحدًا وهو كسر التاء للمطابقة مع وكيلة، وامتناع الضم والفتح، وهذا ما لم يستطع المشكِّل الإلكتروني استيعابه.
كذلك حالة ضبط الفعل الماضي المتصل ب « نا» الدالة على الفاعلين، فإن ضبط الفعل يختلف بالحالة الإعرابية التي عليها « نا « فإذا كانت في محل رفع فاعل كان الفعل الماضي مبنيًّا على السكون مثل « هزمْنا العدوَّ»، وإذا كانت في محل نصب كان الفعل مبنيًّا على الفتح مثل:» عاقبَنا الأستاذُ « و المشكِّل الإلكتروني لم يتمكن من التفرقة بين الموقع الإعرابي لهذا الضمير، وضبط الفعل في الحالتين ضبطًا واحدًا بالسكون، ولعل السبب في هذا هو أن هذا الضمير من الضمائر المشتركة بين الرفع والنصب والجر.
9- هناك فرق في الدلالة والشكل بين اسم الفاعل واسم المفعول من غير الثلاثي، ولا شك أن الشكل هو الذي يؤدي إلى اختلاف الدلالة، وكما هو معلوم من أن اسم الفاعل من غير الثلاثي يكون على وزن مضارعه مع إبدال حرف المضارعة ميمًا مضمومة وكسر ما قبل الآخر- مثل: مُكرِم، ويكون اسم المفعول منه على هذا النحو لكن بفتح ما قبل الآخر، مثل: مُكرَم.
ولم يتمكن المشكِّل الإلكتروني من إدراك الفرق بين هذين النمطين لاسم الفاعل واسم المفعول من غير الثلاثي، وعندما أدخلت له جملة « جاءني مكرمو الثقافية « ضبط المشكِّل الإلكتروني كلمة « مكرمو» هكذا « مُكَرَّمو» بالفتح على أنها اسم مفعول، وغفل عن وجه الكسر على أنها اسم فاعل، والجملة بعد محتملة الوجهين، ولكن المشكِّل الإلكتروني ليس عنده ما يمكنه من التفرقة بين الصيغتين.
10- بالنسبة ل» كم» الخبرية يكون تمييزها جمعًا مجرورا كقولك: « كم غلمانٍ ملكت» ن ويكون مفردًا مجرورًا كقولك: « كم كتابٍ قرأت» والمعنى: كثيرا من الغلمان ملكت، وكثيرا من الكتب قرأت، ولكن المشكِّل الإلكتروني لم يتمكن من ضبط تمييز كم الخبرية على وجه صحيح حيث ضبط التمييز بالرفع، وهو لا شك خطأ، فعندما أدخلت قول محمود شاكر:
كم ظالم عب كأس الظلم طافحة حيث ضبط كلمة « ظالم» بالرفع « ظالمٌ» بالرفع، وهذا خطأ متوقع في ظل الأخطاء السابقة لأن المشكِّل الإلكتروني لم يكن مزودًا بخصائص كم الخبرية وتمييزها.
11- لم يفرق المشكِّل الإلكتروني بين « صهْ» بالسكون معرفة، و « صهٍ» بالتنوين نكرة، ولم يتعرف إلا على نمط واحد، وهو صهْ بالسكون، وتجاهل النوع الآخر، مع أن هناك فرقًا بينهما يكمن في أن صه منونة تكون للعام، وهو طلب السكوت عن أي كلام، وصه بالسكون معناها خاص، وهو طلب السكوت عن كلام بعينه.
12- الحركة بالكسر أو الفتح وسيلة من وسائل العربية للتخلص من التقاء الساكنين، و المشكِّل الإلكتروني قد أخطأ في كثير من المواضع حيث إنه قد جمع بين ساكنين، مثل قولنا:» لقدِ انتهيت منَ القراءة الآن» حيث ضبط المشكِّل الإلكتروني العبارة السابقة على هذا النحو» لقدْ انتهيت منْ القراءة الآن» فسكن الدال من» قد»، والنون من « من» ومن حقهما أن يتحركا من أجل التخلص من التقاء الساكنين.
13- أمر أخير يتعلق بالمشكِّل الإلكتروني، وهو خاص بعلم العروض، حيث إن هناك نوعية من الضبط الإلكتروني قد قام بها المشكِّل الإلكتروني، وقد أدى هذا الضبط إلى كسر البيت عروضيًّا، ومن هذا قول ابن حمديس:
وإن تردت من قبلنا أمم فهْي نفوس ردت عواريها
حيث ضبط المشكِّل الإلكتروني كلمة» فهْي» على هذا النحو» فَهِي» بكسر الهاء في الضمير وهذا يؤدي إلى كسر البيت عروضيًّا.
ومثله قول العلامة محمود شاكر - رحمه الله-
كم ظالم عب كأس الظلم طافحة ثم انتشى وهْوَ تياه ومختالُ
حيث ضبط المشكِّل الإلكتروني كلمة» وَهْوَ» على هذا النحو» وَهُوَ» بضم الهاء، وهذا يؤدي إلى كسر البيت.
أستاذ النحو والصرف والعروض بجامعة الملك عبد العزيز / جدة
abeed1974@hotmail.com