Culture Magazine Thursday  08/04/2010 G Issue 305
مراجعات
الخميس 23 ,ربيع الآخر 1431   العدد  305
 
استراحة داخل صومعة الفكر
ترانيم واله - عثمان بن سيار
120 صفحة من القطع المتوسط
سعد البواردي

الوله أداة تعبير مفعمة بالحنين والأنين توقع ترانيمها على أوتار دافئة.. وأحياناً ساخنة.. وأخرى ملتهبة.. وفق الشحنة الوجدانية التي تعمل في دواخل من أحب..

والحب هنا ليس عاطفياً فحسب.. إنه يرقى نحو الحس الإنساني لحظة انفعال بمشهد ما يؤرقه.. ويوقظه بتأرجحه بين سؤال جامح.. أو خطاب جارح.. أو جملة تتناغم مع تداعيات النفس تبثها الشكوى أمام فاجعة البلوى..

شاعرنا السيار حدد لنا مسار الرحلة.. وربما أيضاً أدبياتها دون أن يكلفنا عناء سفر.. أو سهر.. أو ضجر.. إنه الربان.. ومالك الزورق.. ونحن برفقته نرصد المشاهد والشواهد..

بداية بغضبها عليه دون سبب.. والغضب دون سبب قلة أدب..

أتراها غضبت مني على

غير شيء هكذا طبع الجميل؟

أم ترى صدت لأشكوها إلى

نجمة الإصباح والليل الطويل؟

أنا في الحالين أفديها فلا

طاب عيشي إن تناسيت الجميل

جمال فتاة أحلامه فتنة إلى حد رفع راية الاستسلام دون مقاومة.. بل دون استطلاع لسبب غضبها مكتفياً من الغنيمة بالوقوف أمام أيكة حبه دون الولوج إلى داخلها مكتفياً بترانيم ولهه لها..

«يا حبيبي» مقطوعة وله جديدة لا تختلف عن سابقتها عامرة بالشوق.. ولسعات الشوك.. وبقايا من ذكريات جميلة لمشهد حب مسافر

ما كنت أدري والطريق الطويل

يمضي بخطوي نحوها مسرعا

أني صأصطاد المنى أجمعا

في لحظة نشوى وظل ظليل

لله ذاك اليوم ما أروعها..

حتى أعز الأماني لدى شاعرنا أسلمت روحه للصبابة وحرقت كيانه بنار الهوى..

ما شفاني بين الحبيبة مما

بي ولا هجرها قسا فشفاني

لهواها طلقت كل جميل

في حياتي حتى بريق الأماني

ماذا أبقيت يا شاعرنا لوجدانك غير الهجر.. والبكاء على أطلال معشوقة كانت حلماً.. فغابت.. ولم يبق منها غير ظلال أشبه بالرمال.. المتحركة من وجد إلى آخر في تتابع غير عادي تبدو لنا مشاهد الوله متزاحمة فما إن يمتطي قاربه حتى تأخذه موجة العشق تلو الموجة دون أن ينطفئ أواره.. (عديني).. و.. (خاتم).. و(حلم ذوي).. و(لاعتاب).. كلها موجات وجدانية تأخذ شراعه ذات اليمن وذات الشمال في صراع مليء بالمناداة والمعاناة.. نتوقف معه أمام مشهد هو الأغلى في نظره:

أنتِ تدرين الهوى في ناظري

كلما صوبت عينيك إلي!

يا ضيائي كل ما الفجر بدا

وهمومي كلما جنّ العشي!

أنت يا حورية الحسن ألم

تلهبي نار الجوى في جانحي؟!

في لحاظي إن رنت في مدمعي

في ترانيمي وتسليم يدي

كلمة الحب. وما أعظمها

كم أنا رددتها في شفتي؟!

لك يا فاتنتي عنيتها..

أنت يا فاتنة الحب الوفي

بهذا النفس الدافئ المملوء بالتحنان عزف على أوتار قيثارته كما لم يعزف من قبل.. كان رائعاً في توصيفه وتوظيفه لمفردات حبه..

ويأخذه طيف جميل آخر تستفزه كل أدبيات الذكريات أمام ملامح طيفها الساحر..

يراوحني منك الهوى وأباكره

فلا هو ينساني ولا أنا ذاكره

يراوحني طيفاً إذا الليل جنني

سناك يرف حوله ويسايره

يظل يعاطيني ضروب دلاله

فأحسب أني والحبيب أسايره

وفي الغرام كما في غيره دوام الحال من المحال..

واضحو مع الإصباح شمس كيئبة

وافقي مربدٌ تروع مناظره

افتش عن طيفي الذي زار موهنا

وقد طار عني في جل الليل طائره

شاعرنا يفتش عن طيفه ونحن جميعاً معه نفتش عن تجربة شعرية أخرى في بحر متلاطم من العشق.. تذكّرنا بموقف جديد، وها نحن مع فتاة وجدانه وهو يُذكِّرها:

تذكري قبل فوات الأوان

عهد الهوى والحب عهد الحنان

عهد زرعناه بآمالنا..

فازداد بالفرحة أي ازدياد

مضى.. وما زلت بآثاره

نشوان من كأس الليالي الحسان

على هذه الوتيرة يتحرك دولاب ساعته دقة بدقة دون أن يتوقف.. فهو لا يريد له أن يتوقف.. الحب.. وأناشيد الحب تمتلك عليه حواسه وأنفاسه إلى درجة التخمة.. الماضي ببصمات عشقه ما برح يسترجعها مع من يهوى.. البحر.. والأحلام وتمازج الأنفاس والركن الساحر وحكاياتها وهي تقص عليه أحى حكاياتها.. وفي النهاية يتمنى عودتها بعد غياب مُر.

عودي إلى مغناكِ يا فتنتي

للجدول المنساب للروضة

للبلبل الشادي الذي راعه

صمت الربى فازور في حسرة

جفت لحون الحب في حلقه

منذ هجرت الروض يا فتنتي

وبقيت لحون حبه جافة.. وروضته مهجورة إلا منه وحده

حتى رباعياته لم تتحرر من هاجس ووساوس الهيام..

يا حبيبي هل تطوف الذكريات

بك ليلاً فتضج الأمنيات؟

أم ترى ماتت بعينيك الرؤى

فتناسيت الهوى، والحب مات؟

مقطع من رباعية:

كل يوم مرّ من عمري سدى

غير يوم صغت لي موعدا

هو في كل حياتي باقة..

وردها ما زال عطري الندا

ومقطع أخير به أسدل الستار على مشهد النجوى:

نكأ البين جراحي فاسعدي

يا ليالي بالطريح المجهد

لا. فلي يوم سالقاها به

إن قسا يومي فلن يقسو غدي

ويبقى الأمل قائماً..

«كان ومضى» عنوان جديد مليء بالحشرجة والدموع والألم والندم..

إبكِ فالدمع طهور الخاطئين

واندبي ما شئت حظ العاثرين

أغفت الأيام دنياكِ فلم

تعرفي أي طريق تسلكين!

فاشربي ما شئت من كأس الندم

ليس يشفيكِ وقد طال الألم

ليس يجديك بكاء.. وندم

ذهب الماضي فما تُغني الحكم

هذه المرة يخرج بنا شاعرنا عثمان السيار عن جاذبية ولهه إلى زاوية الحكمة والتأمل عن الدنيا..

يا حبيبي ما كل عيش بباقي

فتمتع من قبل يوم الفراق

رب يوم بكيت فيه فلما

صرت في غيره أهاج اشتياقي

بهذا البيت ذكرنا بمقولة أبي الطيب المتنبي

رب يوم بكيت فيه فلما

صرت في غيره بكيت عليه!

ويمضي في تأملاته الحياتية

وشراب مُرّ المذاق فلما

أرمض القيظ عاد حلو المذاق

هذه سنة الحياة فما تعطي

سوى ظلمة على إشراق

تخرج الهمة بالسعادة للسا

قين لا همها ولا الفرح باق

يا حبيبي خذها كما هي دنيا

وابتسم للسموم والترياق

يا حبيبي دع الحياة بما فيها

وخذ قالة المحب الأمين

يعذب الحب كما يعذب ال

شوق وتترى الظنون بعد الظنون

فاحمل الهم لا عدمتك حيا

كل همّ في الحب عذب الانين!

نصيحة من مجرب لمحب..

عودة إلى ترانيم ولهه: هي أشبه بالرثاء لوفاء.

يا من أحب فكان الحب دنياه

ومات لم تكتحل بالسعد عيناه

وهبت للحب من دنياك أجملها

وصفت فيها نشيداً كم تمناه!

أسقيته دم قلب بات مضطربا

في الحب ما عرفت يمناه يسراه

أحبّ لم يثنه عن حبه ألم

وعاش بالحب أولاه وأخراه

ومات في حبه والموت نازلة

من قبله نكبت قيساً وليلاه

الجسد يموت.. والروح يا شاعرنا تظل حية بحبها وذكرها..

الانتظار أشد من القتل.. وأحر من الجمر.. شاعرنا تذوق طعمه شعراً وشعوراً وأهداه عاتباً لمن كان السبب..

جرّب كمثلي مرة .واطعم شراب الانتظار

ذقه كما ذوقتنيه.. إنه في الصدر نار

أني لمن يرجو الزيارة أن يقر له قرار

ستقول انستني شؤون ليس منها فرار

عد وادكر أو لا تعد فالحر وعد وادكار

أم أن وعدك من كلام الليل يمحوه النهار؟!

رصد لحالة اجتماعية يعاني منها كثيرون لسبب ولدون سبب..

الغربة تمثّل جانباً من حياة شاعرنا.. غربة أرض لا غربة انتماء.. ولغربة الأهل والسهل وحشة وشعور بالوحدة..

سمائي ملبدة بالغيوم

ونفسي مملوءة بالشجن

وعمري عليه المنايا تحوم

فمن لي بأن استطيب الزمن؟

طويت البلاد وفي غربتي

مضيت ترافقني شقوتي

وفي كل أرض تغني السرور

أعيش تنادمني وحدتي

ولغرام الستين صبوة.. إنه لا يشيخ..

تمزق في هواك جوى وذابا

واشبع ليله فيك انتحابا

أخو ولهٍ تدله بحبك حتى

كأنك قد أعدت له الشبابا

رأى عينيك تجتليان منه

ربيعاً ليس يدري كيف ثابا

فخالك في هواه فُتنت حبا

وفي عينيك قد ألفى الجوابا

فأشرق صبحه بعد اكتئاب

وودع مذ رآك الاكتئابا

وعادت حوله جرد الروابي

مروجاً بعد أن كانت يبابا

وماذا في الطبيعة لو تصابى

أخو الستين كم شيخاً تصابى؟!

شتان بين صبوة الشباب وصبوة الكهول هناك فرق!

أخيراً مع شاعرنا الوجداني الرائع عثمان بن سيار في ديوانه (ترانيم واله) ومع آخر مقطوعاته «الجمال»

ترفق فؤادي لا تعاجلك نظرة

فكل جمال يا فؤاد يحول

لقد كان ملكاً للجمال متوجاً

تتيه لمرآه الجميل عقول

وألحاظه كانت تذل لسحرها

قلوب فيضفيها جوى ونحول

فما باله قد عاد لا شيء يشتهي

ولا سحر عبر المقلتين يجول؟

سؤال طرحه وهو ينقّل بصره أمام لوحتين.. لوحة تمثِّل نضارة الشباب بكل ما تعنيه من تقاسيم جمالية تضج حيوية وفتنة وأخرى تمثّل بقايا من جمال أكل الدهر عليه وشرب..

أبعد سنيه العشر عري غصنه

فشم سطوة الأقدار كيف تصول

فلا تأتسر يا قلب للحسن إنه

وإن راع يعروه قذي وذبول

عليك به روحاً يشف صبابة

وخلقاً مدى الأيام ليس يحول

ملاحظات عابرة «سنين العشر» الأفضل أن تكون سنين العمر.. وإن راع يعروه «الأنسب» وإن راع يغزوه.. شكراً لشاعرنا العاشق الذي أمتعنا وأشبعنا وَلَهاً عبر استراحتنا معه.

الرياض ص. ب 231185الرمز 11321 فاكس 2053338
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة