Culture Magazine Thursday  08/04/2010 G Issue 305
فضاءات
الخميس 23 ,ربيع الآخر 1431   العدد  305
 
النسوية في الخطاب النقدي في المملكة العربية السعودية
دراسة في تجربة الدكتورة سعاد المانع (2)
د. إبراهيم بن محمد الشتوي

صورة المرأة في التراث:

شكلت هذه المسألة قضية محورية لدى الدكتورة سعاد، فكانت محورا لدراسة أنجزتها عن صورة المرأة في لزوميات أبي العلاء المعري، ودراسة حول المرأة في أدب الجاحظ، و»الصورة»، وإن لم تكن في العنوان، فإن الباحثة تنص في مستهل الدراسة على أن الهدف من الدراسة هو «سبر الصورة التي يقدمها الجاحظ عن النساء في ثنايا كتبه المختلفة»، ومثلها عن الأعرابيات في السرد العربي القديم، وهي الدراسات التي تناولت فيها جانبين متصلين بالمرأة العربية الأول صورتها في السرد القديم والآخر بلاغاتها وما أثر عنها من أقوال توصف بالفصاحة والبيان.

ومما يكمل هذه الجهود كتابات أخرى كانت صورة المرأة هي المحور ولكنها لم تكن بالصورة نفسها، إذ قدمت في دراسة نشرت في وقت قريب من الدراسات السابقة السمات المعنوية لصورة المرأة، وقامت في هذا البحث بمناقشة ثلاث مقولات نقدية «تتفق في خلاصتها على تقديم رؤية تحتل المرأة فيها مكانة دنيا بالنسبة إلى القيم الإنسانية في الشعر»، وتقديم رؤية مغايرة تثبت عكس هذه الوجهة التي اتجهت إليها المقولات النقدية.

ينضاف إلى هذه الدراسات وينطلق منها ويتفق، ما كتبته عن كتاب «الكتابة ضد الكتابة» للدكتور عبد الله الغذامي، فقد رغبت في الكتابة عما في الكتاب ومناقشته ولكنها تعرض عن مناقشة ما جاء فيه من رؤى، وأفكار تمثل صلب موضع الكتاب إلى قضية واحدة تشغل بال الكاتبة هي صورة المرأة في الذهن العربي بتفصيلاتها التي جاءت عليه في الكتاب.

التراث قناع:

في هذه الدراسات تقوم الباحثة بجمع عدد من النصوص والشواهد من كتب التراث التي تكشف عن مكانة عالية للمرأة من مثل ما يروى عن عامر بن الظرب العدواني أنه كان يطلب من ابنته أن تنبهه إذا هو «فه عن الحكم وجار عن الصواب»، وكأنما أبوها يثق برجاحة عقلها وأن تكون عالمة بجيد الحكم من خطئه، أو الخبر المروي عن امرأة من عبس وأثرها في دفع زوجها الحارث بن عوف لأن يدفع الديات ويوقف حرب داحس والغبراء، وكأنها ترد بذلك على دور النساء المشهور بتأجيج الحروب، وأنهن سبب في ذلك، وأنهم كانوا يأخذونهن لتحميس المقاتلين ودفعهم للقتال، ومثلها الأخبار التي تفيد كرم المرأة، وبلاغتها كقول الجاحظ:»من أهل الدهاء والنكراء ومن أهل اللسن واللقن والجواب العجيب، والكلام الفصيح والأمثال السائرة، والمخارج العجيبة هند بنت الخُس وهي الزرقاء وجمعة بنت حابس» وسواها من الأقوال المنسوبة لبعض الأعرابيات وتمثل قولا حكيما أو إجابة نافذة.

وحين تصل إلى حديث الجاحظ عن المرأة والجسد، تذهب إلى أن ما كتبه أبو عثمان في هذا الاتجاه خاصة في «رسالة القيان» أو «مفاخرة الجواري والغلمان» إنما سبيله سبيل الهزل لا الجد، ومن هنا فهو «أقرب للأدب المتخيل»، كما أنه حريص على أن تقرأ الرسالة من خلال بعدها الفني، وعلى هذا فهو لا يمكن أن يعد ممثلا لرأي الجاحظ، وما يدور من حديث الجاحظ وربطه بين النساء والشيئية إنما يتصل بالقيان، والقينة شيء على وجه من الوجوه، وهذا ما يؤيد أن يكون كل ما ذكره من اتصاف المرأة بالشر إنما مرتبط بالقيان وذلك نتيجة الجو السيئ التي تنشأ به، وعلى الرغم من سلامة هذه الحجة، فإننا لا نجد هذه المرة تلك المقولة التي استعملتها كثيرا لتأكيد صحة الاحتجاج ببعض المرويات عن نساء حتى مع احتمال الوضع والنحل والتي تتمثل بدلالة هذه الأخبار على قبول المجتمع ظهور المرأة بذلك المظهر، الأمر الذي يعني أن تأليف هذه الرسالة أو روايتها عن أناس آخرين وانتشارها تعني قبول الناس لهذه المقولات على النساء باعتبارها شيئا مقبولا بمعنى أنها يمكن أن تكون من النصوص الواقعية التي لا يشترط لها وقوع الحدث وإنما احتمال وقوعه، وهنا يصبح إيراد هذه الأفكار تعبيرا عن وعي أبي عثمان الجاحظ حيال المرأة ولو كان في مجال الهزل والتندر وهو ما يعكس نوعا من الوعي الجمعي.

وفي مواجهة النقاد الثلاثة الحصري، وابن رشيق، وابن الأثير ومقولاتهم التي تفيد ضيق الحديث عن النساء وذلك لأن أكثر ما يمدح به الرجال هو ذم للنساء، و أنه ليس من شرف النسب أن ينسب الرجل إلى أمه وإنما إلى أبيه، ومن خلال عدد من النصوص والشواهد، تفصل الدكتورة سعاد المانع بين صورتين للمرأة في التراث: إحداهما في القرن الأول من التاريخ الهجري للثقافة العربية، والثانية في العصور المتأخرة. تبدو المرأة في الصورة الأولى موضعا للفخر والرثاء والمدح في حين تأتي الصورة الأخرى مطابقة لما ذهب إليه النقاد الثلاثة وتعلل لذلك بأن هناك تحولا أصاب صورة المرأة في الثقافة العربية، فبعد أن كان الشعراء يمدحون النساء ويهجونهن، ويرثونهن كما يمدح الرجال ويهجون وبعد أن كان الرجال يمدحون بأسماء أمهاتهم أصبح ذكر النساء غير محبب بالشعر كم ا في شعر المتنبي وهو يرثي أخت سيف الدولة، وكما في الإحالة التي نقلتها عن القلقشندي في عدم مناسبة ذكر اسم المرأة في الرسائل بالإضافة إلى عدد من الشواهد المنسوبة إلى ابن الرومي والبحتري التي تقلل فيها من قدر الأنثى بوجه عام. هذه التغير في الموقف ترده الباحثة إلى التغير في بنية المجتمع العربي آنذاك، ففيما يتصل بعدم ذكر أسماء النساء النبيلات، يعود في - رأيها - إلى المبالغة في الصون خاصة مع كثرة بيوت النخاسة والنخاسين التي تتعرض فيه القيان للابتذال وأما ما يتصل بالأمهات فمرده كثرة أمهات الولد بعد الفتوح الإسلامية وكثرة الشرفاء من أبنائهن مما قد لا يكون معه ذكر الأم في هذه الحالة بالنسبة لهم مدعاة للفخر.

لكن هذا التأويل غير كاف لتفسير التناقض في شعر الفرزدق عند الفخر بأمه والتقليل من زوجه واختزالها ب»مرتج الروادف أفرعا»، ولعل هذا ما جعل الباحثة تقبل في مقالة لاحقة بمسألة تعدد صورة المرأة في الثقافة القديمة أو يمكن أن نقول بعدم تماسك الرؤية المقدمة بهذه المقالة والقائلة بأن التغير وحده في النظرة إلى المرأة في التراث هو الذي أدى إلى ظهور هذه الصورة المتباينة إذ تقول في موقف لاحق:

«يقود النظر في التراث العربي القديم (حتى نهاية القرن الأول الهجري) فيما يتصل بالمرأة، إلى تبين صورتين مختلفتين على وجه العموم. تبدو في إحداها مكروهة على الجانب المعنوي وتحتل مكانة دنيا، وتبدو في الأخرى تحتل مكانة عالية».

هذه المقالة جاءت بعد أن رفضت في مقالة سابقة مقولة الغذامي التي تفيد أن صورة المرأة في الذهن العربي هي التي يعكسها اللاشعور الجمعي، بمعنى أنها ترفض أن تكون صورة المرأة في اللاشعور الجمعي هي صورة دونية، بل إنها ترفض الثنائية التي أقامها الدكتور عبد الله حول «المرأة المحرم والمرأة غير المحرم» التي انبنت عليها الازدواجية في النظرة إلى المرأة في الثقافة العربية، وترى أن النصوص الواردة في الثقافة العربية لا تقضي بأن سبب وأد البنات كان خشية العار، وإنما هو خشية الفقر كما جاء في القرآن بدليل أن الفرزدق كان يفخر بأن جده كان يفدي البنات من الوأد، وظهور أيضا نماذج من الشعر يحدث فيها الشاعر ابنته حديثا عاطفيا حميما، ومن هنا فهي تجادل، كما سبق القول، في أن «تكون صورة المرأة في الذهن العربي القديم وحتى عصرنا الحاضر ثابتة لم تتعرض للتغير والتذبذب» كما أنها رفضت أن يكون هذا الموقف المتذبذب في الموقف من المرأة ناتجا عن ثنائية «المرأة المحرم وغير المحرم»، ذلك أن عددا من الشعراء في العصر القديم كانوا يفخرون بأمهاتهم، ويناجون بناتهم. إلا أنها لم تنظر في مدى صلاحية ثنائية «المرأة المحرم وغير المحرم» لأن تكون معبرا عن حالة الازدواج التي تعيشها المرأة كما يرى الكاتب الغذامي.

على أن النظر إلى إشكالية المرأة من زاوية ثنائية «المحرم وغير المحرم» يقوم أولا على الربط بين مفهوم ديني وهو المحرم ومفهوم ثقافي اجتماعي، ربما لا علاقة له بالدين، ثم هو يعمم –وهذا ثانيا- النظرة الموجودة في الشعر أو في الأمثال فيجعلها الصورة المعبرة عن الوعي الجمعي للإنسان العربي، والمرأة في الشعر هي صورة المرأة في المتخيل، فعندما نقرأ المرأة في قصيدة معلقة امرئ القيس أو في تائية كثير عزة لا يمكن أن نقول إن هذه الصور تعبر عن وعي أحد في ذلك العصر سوى الشعراء أنفسهم، ولا يمكن القول –من وجهة نظري- أن المرأة في المتخيل تعبر عن صورة المرأة في الواقع ومن هنا فإن اعتماد الشعر لأجل أن يكون المصدر المعرفي الوحيد المعبر عن حالة المرأة في الثقافة العربية في تصوري يحتاج إلى إعادة نظر.

ومثل هذا القول يمكن أن يقال عن الأمثال، فإذا استبعدنا أن المثل من إنشاء قائل بعينه قاله أول مرة فذهب مثلا ولذا فهو يعبر عن وجهة نظره في تلك الحالة، واعتبرنا أن قبول الناس له واستعمالهم له يمثل نوعا من المشاركة في الإنشاء، فإن الذي يستدعي المثل إنما يستدعيه لأنه يناسب حالته تلك، فهو موقف انتقائي، والأمثال متناقضة أحيانا بمعنى أنها تعطي حكما مختلفا لظاهرة واحدة فهي ليست دائما متسقة والنماذج التي أوردتها الكاتبة تثبت ذلك، ففي حين أن هناك أمثالا تضع من مكانة المرأة هناك أمثال أخرى تعلي من مكانتها وبناء عليه أصبح من غير المنطقي اعتبار أحدها معبرا عن الوعي الجمعي في حين جعل الأخرى عطلا من الدلالة. ومن المؤكد أننا حين نتناول المرأة في خطابات أخرى فإننا سنجد صورة أخرى: المرأة في القرآن الكريم، المرأة في الحديث النبوي الشريف، المرأة في السيرة النبوية، في القصص المنسوب للصحابة.

ومن خلال ما سبق يمكن القول بأن الكاتبة تحاول أن تثبت مرة أن صورة المرأة في القرن الأول وبداية الثاني تختلف عن صورتها في القرون المتأخرة، وأن هذه الصورة السلبية لم توجد إلا في مراحل متأخرة، ومرة ترى أن هناك أكثر من صورة، وأنه من غير الممكن اختزال صورة المرأة بنوع واحد. وهي في الحالتين ترفض المقولات التي تبناها عدد من الباحثين عن تعميم ازدراء المرأة في التراث، أو عن موقف الجاحظ المنحاز ضد المرأة. وكأنها تدافع عن التراث، وترفض مقولة تحيز الأدب ضد المرأة. وهنا يأتي السؤال عما تحاول الكاتبة قوله في الحقيقة، هل هي ترى فعلا أن صورة المرأة في الخطاب الأدبي القديم صورة مشرقة ومن هنا فهي تعبر عن حقيقة المرأة وتعكسها، دون أن تشعر بأن الخطاب الثقافي قام بدور سلبي في تحديد موقع المرأة، وجعلها موضوعا للقول في حين، وفي هامش الخطاب في حين آخر؛ فمجيئها في شعر الغزل كان موضوعا لقول الرجل سواء كان هذا الوصف جسديا قائما على وصف ما يثير الرجل الشاعر فيها، أم حكاية بعض القصص والمغامرات الجنسية من مثل شعر امرئ القيس وعمر بن أبي ربيعة، أو مجالا لذكر الشوق والوله والتوجع من الفراق كما لدى الشعراء الغزلين من أمثال العامري وجميل وكثير، فهي لا تتجاوز أن تكون موضوعا يقال فيها الشعر، وما سوى ذلك فحضورها هامشي، لا يعدو أن يكون انتسابا أو فخرا وقليلا من الرثاء. هذه الصورة سواء كانت سلبية أم إيجابية ليست كافية -من وجهة نظري- لأن تتخذ أداة لتصوير حالة المرأة في الثقافة العربية أو في المجتمع العربي القديم.

بالرغم من أن مفردات النقد النسوي تحمل الخطاب الثقافي مسئولية الحالة التي تعيشها المرأة في كل عصر، ذلك أن الوقوف عند «التحيز ضد المرأة في الأدب» من أهم القضايا التي يطرحها النقد النسوي بناء على أن هذه الحالة التي تعيشها المرأة هي بسبب الخطاب الذي استخدم للضغط على المرأة ووضعها في مرتبة دونية، ومن هنا فإن تحليل هذا الخطاب والكشف عن خباياه هو ما يكشف زيف هذا الخطاب، ويؤكد أن المرأة صنو الرجل.

وفيما قدمته الباحثة رفض لهذه الظاهرة إذ ترى أن وضع المرأة في القرن الأول كان منصفا وصورتها مشرقة «إذ تحتل مكانة معنوية عالية»، فليس في منتج العصر الجاهلي والقرن الهجري الأول الثقافي ما يحمل تلك الصورة السيئة عن المرأة التي تصفها بالدونية، وإنما طرأ في القرون التالية. وهنا يأتي السؤال إذا ما كانت الباحثة ترفض طروحات النقد النسوي في تأثير الخطاب الثقافي على واقع المرأة التي بدت أنها متفقة من قبل معها، والسؤال يأتي مرة أخر عن سبب رفضها ذلك الخطاب، أبناء على أن الثقافات متباينة فما يصدق على الثقافة الأوربية لا يصدق على الثقافة العربية، أم لأنها تفصل بين الخطاب الثقافي والواقع الاجتماعي؟ قد يكون الجواب الواضح من خلال السؤال الذي تفتتحه الباحثة في مستهل نقاشها مقولات التحيز ضد المرأة عن احتمال اختلاف الثقافات فيما بينها، فما تتحيز فيه ثقافة ما لا تتحيز فيه ثقافة أخرى، وهي بهذا ترفض مقولات التحيز ضد المرأة في الثقافة العربية وكأنها ترى أن صورة المرأة في الثقافة العربية في قرونها الأولى مشرقة، لا تتحيز ضد المرأة، ومن هنا فهي تختلف مع طروحات النقد النسوي في تحميل الخطاب الثقافي مسئولية واقع المرأة.

بل تتجاوز ذلك إلى الوقوف ضد المقولات حول تحيز اللغة تجاه المرأة، من مثل قضية التذكير والتأنيث وأن الأصل هو التذكير، والتأنيث فرع عنه أو تجاهل الأنثى في التغليب برده إلى المذكر، وتستشهد على فساد هذا الرأي بقول سيبويه: «إن التذكير في أصله يشير إلى المبهم إلى الشيء، والشيء يدل على الذكر والأنثى»، مثلها موقفها أيضا من مقالة الغذامي عن منع جمع المذكر السالم عما ليس بذكر عاقل، إذ ترى «أن تماسك حبكة الكتاب هو الذي اقتضى إدراج مثل هذه المقولة» وإلا فإن اللغة العربية تمنع هذا الجمع على أسماء العلم الذكور المزيدة بتاء التأنيث.

لكن السؤال عن موقف الكاتبة من طروحات النقد النسوي لم ينته بعد، فهل الباحثة فعلا تقف ضد تلك الأطروحات ومن هنا فهي لا ترى تحيزا تجاه المرأة، وإذا كان ذلك كذلك فما الذي يدفعها للوقوف ضد المقولات والكتابات التي تكشف عن التحيز ضد المرأة في التراث، وتجهد في إثبات عكسها، منصبة نفسها مدافعا ألد عن التراث وصورة المرأة فيه، لماذا لا تكتفي بالإعراض عن هذا الأمر وتنشغل في الجانب الآخر من جوانب نقد الكتابة النسوية، خاصة وأن هذه الدراسات تسعى لتحقق هدف الدراسات النسوية في تحليل الخطاب وتبيين الواقع من خلاله، أيكون الموقف إذا مجرد غيرة سطحية على التراث العربي القديم والثقافة الأم تجعلها لا تحب أن تسمع لها نقدا أو حولها مقالا؟

قد يبدو للوهلة الأولى هذا التفسير مقبولا، لكننا حين نعيد النظر في هذه المقولات، نجد الكاتبة في فصلها بين الخطاب الثقافي في القرن الأول والقرون التي تلته تسعى لصنع ثغرة في الموقف التراثي نفسه من خلال إحداث تضارب بين مكوناته، خاصة وأن القرن الأول وما قبله يعد هو الأساس في تكوين الأمة العربية فيما بعد التي تنبني عليها هويتها وشخصيتها، وأن القرون التي تلته حتى العصور المتأخرة هي القريبة منا والتي يمكن أن يكون تأثيرها فينا أشد، ومن هنا فهي تنتقد الواقع الاجتماعي للمرأة من خلال نقد الخطاب الثقافي الذي أنتج هذا الواقع وهو منتج القرون المتأخرة، وتنتقد ذلك الخطاب من خلال موازنته بالخطاب الثقافي الأصلي المعياري لتبيين خلل هذا الخطاب وعواره، وبناء عليه فهي تسعى إلى أن تعزل موقفها في الصراع من أن يكون ضد التراث لتحاول أن تستفيد من التراث في إدارة معركتها الاجتماعية المعاصرة، بالقول إن التراث لم يكن سيئا وأن ما حل بالمرأة هو نتاج القرون المتأخرة المتخلفة، وليس نتاج القرون الأولى حيث بكارة الإنسان العربي، وفطرته الدينية السليمة، فبدلا من أن تكون أمام جبهتين: مناصري التراث والمحافظين على التقاليد الاجتماعية يمكنها أن تحدث شرخاً بين التراث والمحافظين على التقليد تستطيع أن تمرر من خلاله خطابها الثقافي الجنسوي، وبناء على هذا فهي تطمح لإنتاج خطاب ثقافي جديد حول المرأة لا يدخل في حسابه الصراع مع التراث والثقافة الإنسانية ولومها بقدر ما يطمح إلى استثمار منجزات تلك الخطابات في إنشاء خطابها المعاصر الذي يجد من التحديات المعاصرة التي تتظاهر بالتمسك بالأصالة ما يفوق ما كان موجودا في القديم، وهي بهذا تلتحم مرة أخرى بالنقد النسوي الذي يقوم على إنشاء خطاب ينطلق من رؤية فوكو تجاه الجدل السياسي بناءاً على الهوية ليتجاوز ذلك إلى أثر الجدل السياسي في تكوين الهوية نفسها. هذا الخطاب»تبدو خصوصيته من خلال رؤية الكاتبة، إلى جانب مدى قدرتها على التفكيك وإعادة التركيب». يتبع

الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة