تفضل أخي (فيصل بن علي المنصور) بإهدائي نسخة من كتابه النفيس (رسالة في مسائل كل عام وأنتم بخير متضمنة مسائل نادرة في النحو والتصريف والبلاغة وأصولهن)، ونجد في صدر الكتاب لمسة برّ في إهداء عمله إلى والده رحمه الله وإلى والدته أطال الله عمرها ثم لمسة وفاء بإهداء الكتاب إلى أستاذه د. حسن بن أحمد العثمان، وليس يعرف الفضل لأهله سوى أهل الفضل. وبين في مقدمة كتابه هدفه من عمله وهو بيان أحكام هذه المسكوكة لمّا رأى كثرة الاختلاف في أمرها عند من يزاولون التصحيح اللغوي، ولأنها كثيرة الاستعمال في مناسبات الناس كثرة قد تدعوهم إلى السؤال عن صحة تركيبها، وبيّن في المدخل أنها تستعمل بالواو وبدونها، وأنّ (كلّ) تأتي مرفوعة أو منصوبة، وبهذا يتحصل أربع صور. والكتاب شرح لهذه الصور، بدأ برفع (كل) من غير واو، وثنى برفعها مع إثبات الواو، واستغرقت الصورتان معظم الكتاب أمّا الصورتان الأخريان فجاءتا في صفحتين متقابلتين، ثم ختم ببيان أي الصور الأربع أبلغ، وهي الصورة الثانية.
وهذه الصورة هي الشائعة عند الناس في مخاطباتهم ومراسلاتهم، ولا أعلم أنّ الصور الأخرى مستعملة فلعلها من اقتراحات المصححين. والمؤلف لم يكتف بشرح هذه الصور ولا بإعرابها بل انتهز الفرصة لمناقشة مسائل نحوية دقيقة يثيرها القول في تراكيب هذه الجملة، ويحمد للباحث أنه يصدر عن معرفة واثقة بعلوم العربية مع نظرة نقدية مؤيدة بالحجج والبراهين.
ونبه المؤلف إلى مذهب اختص به نفسه قد لا يوافقه فيه غيره، فهو يكتب (يحيا) بالألف المشالة، والاسم في بيآتنا المختلفة ينطق نطقين ويكتب كتابين، فهو ينطق بإسكان الحاء كما هو في النطق الفصيح، وهو ينطق أيضًا بتسكين الياء بعد قلب مكانيّ بين فتحتها والحاء، ولعلّ الذين ينطقون كالفصيح التزموا الرسم القديم (يحيى) وهو رسم استعمل لما تؤول ألفه إلى الياء عند التثنية بغض الطرف عن الجذر كما هو الحال في مثل (مصطفى) الذي لامه واو، ولعل الذين ينطقون بتسكين الياء اتخذوا الرسم الآخر (يحيا) لأنهم نقلوه من الفعل (يحيا) وأرادوا أن يكون مختلفًا عن اسم النبي (يحيى). والمؤلف في اختياره أراد أن يتابع القاعدة الفرعية لرسم الألف، وهي قاعدة تراعي التخلص من المتماثلات الخطّية، وهو أمر فصلته في كتاب (الشاذليات). ولعلي أوافق المؤلف في مذهبه هذا وإن اختلف هدفانا، فأنا أريد تعميم كتابة الألف مشالة؛ لأني لا أرى هذه الألف قلبت عن ياء، بل هي نتيجة مطل فتحة العين بعد حذف اللام سواء كانت ياءً أم واوًا، فالفعل (يحيا) وزنه عندي (يفعا).
والكتاب جدير بالقراءة المتأنية، وهو ذو مسائل مغرية بالمناقشة، فلعلي أعود إلى شيء من هذا.
الرياض