يتميز الكتاب الذي بين أيدينا بقراءة السيرة الذاتية لعلم من أعلام الفقه والأدب في التاريخ المعاصر، له أسلوبه المتميز، ونكهته الخاصة ولم يكن المؤلف أحمد علي آل مريع بعيداً عن تحقيق التناغم مع روح الأسلوب الأدبي الرفيع الذي يتواشج مع المنهجية العلمية في تحقيق الخصوصية الأسلوبية للمؤلف، الذي يقدم لنا في هذا الكتاب مادة علمية وأدبية في الوقت نفسه في قالب لغوي قشيب يجعلك مأسوراً لجاذبيته التي تسلمك من فصل لآخر على الرغم من كثافة المادة العلمية التي تربو صفحاتها على750 صفحة من القطع الكبير.
إن صفحات الكتاب تجعلنا نقف على الثلاثية التي تشكل المبدع وتتآزر في صناعته وهي.
: الرؤية والثقافة والموهبة وإذا كانت الموهبة هي المرتكز الأول والأسبق في الحضور؛ لأن المبدع يولد مزوداً بها فإن الثقافة بمكوناتها هي التي تجعل الموهبة متحققة وتنتقل بها من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل، فالموهبة تظل محتاجة على الدوام إلى تغذية الثقافة، ليكون الإبداع ثراً ومتجدداً أما الرؤية فإنها هي التي ترتقي بالمبدع إلى ملكوت الإبداع المستنير، وتوجه مسار المبدع كي لا يضل الطريق فكم من المبدعين الموهوبين المثقفين غابت عنهم الرؤية الصائبة فتردوا في السحيق، وغدت مواهبهم وثقافتهم وبالاً عليهم وعلى مجتمعاتهم، فالرؤية الواضحة والموهبة المتفتحة والثقافة الواسعة ثلاثية تتضافر في المؤلف أحمد علي آل مريع، الذي يتميز بوضوح الرؤية، وأصالة الموهبة، وغزارة الثقافة ويلمس القارئ تناصاً في الرؤية الواضحة والموهبة المتفتحة والثقافة الواسعة ثلاثية تتضافر في المؤلف أحمد علي آل مريع، الذي يتميز بوضوح الرؤية، وأصالة الموهبة، وغزارة الثقافة ويلمس القارئ تناصاً في الرؤية بين الطنطاوي ومريع وفي امتلاك الموهبة وغزارة الثقافة مع تفرد كل منهما في ملامح شخصية، لكن ذلك قد حقق ارتقاء في تناول المؤلف لموضوع بحثه، حيث يجد القارئ خلال قراءة الكتاب روح الانسجام والاحتفاء من قبل الباحث بموضوع بحثه ناهيك عن الإشارات اللغوية التي تجسد إجلال الباحث للطنطاوي ولأسلوبه في ذكرياته.
وقد ذكر الباحث في تعليله للدراسة قوله: (لهذا وجدت نفسي منذ نعومة أظفاري شغفاً بما كتبه علي الطنطاوي وأذكر أن والدي كان يحتفظ في مكتبته بنسخة من كتاب الشيخ (من يشاء.. فلما كبرت وكونت لي مكتبة أهدى إليَّ الكتاب ومازلت أحتفظ به في مكتبتي بطبعته القديمة وأوراقه الصفراء التي أصابها الزمن فأبلى جدتها وعبث بصفحاتها وعليه إهداء أبي وفقه الله..) إذن هناك توارث للفضل وتواصٍ بالمعرفة والأدب، ويكاد الباحث يستدرجنا إلى سيرته الذاتية بهذا النص الذي يكشف عن أبعاد عميقة في التنشئة.. حقا لقد بليت صفحات الكتاب لكن معانيه أزهرت في النفس ميلادا أروع، وهاهي تورق وتينع كتابا سائغا للقارئين، فنعم المهدي ونعم الهدية!
وتتجلى أهمية البحث من كون الطنطاوي لم يحظ - بحسب الباحث بدراسة أدبية وفنية جادة، فكانت هذه الدراسة إنصافاً للطنطاوي وتقديرا لجهوده العلمية ومكانته الأدبية.
ومن الملحوظ أن الطنطاوي باستطراداته قد سحب المؤلف إلى دائرته في بعض الأحيان حيث يدخل المؤلف باستطرادات قد تكون لها أهميتها لكنها كانت سبباً في تضخم حجم الكتاب وهي عدوى لن ينجو منها من يقوم باقتحام عالم الطنطاوي وكاشفته.
وقد تضمن الكتاب مدخلاً عن الطنطاوي حياة وآثاراً ثم ذكرياته علي الطنطاوي.. نظرة عامة.
أولاً: قصة الكتاب - ثانياً: أهميتها (البعد الإنساني والجانب الفني..- ذكرياته خلاصة تجربته الكتابية - ذكرياته وثيقة تاريخية..)
ثالثاً: الدوافع إلى كتابة الذكريات.
رابعاً: تجنيس الذكريات. أما الفصل الأول؛ فقد تناول التكنيك الفني في ذكريات الطنطاوي من خلال نقطتين مهمتين:
1- مقدمة في شرعية الاستخدام.
2- ملامح السرد، وقد قام الباحث باستقصاء ملامح السرد منظراً لكل ملمح من الملامح وشافعاً كل ملمح بنماذج تطبيقية يحللها بأسلوب أدبي ولغة رائقة.
وفي الفصل الثاني: تناول الحقيقة والخيال وفنية الالتزام بالصدق في الذكريات.. ومعوقات في سبيل الحقيقة الكاملة في الذكريات ومن صور الصدق في الذكريات وقضايا أخرى لا يتسع المقام لسردها هنا.
الفصل الثالث: الاستطراد.
والفصل الرابع: السخرية.
والفصل الخامس: الفكاهة.
الفصل السادس: الصورة.
الفصل السابع: الأسلوب.
ثم الخاتمة..
إن هذا المؤلف الذي بين أيدينا جدير بالاحتفاء لأنه يقوم بعدة أدوار أولها تشكيل - إضافة في مضمار نقد السيرة الذاتية، وبذلك فإنه يعد رافداً تنظيرياً وتطبيقياً في هذا المضمار.
وثانيها: أنه يمنحنا فرصة الاطلاع على ذكريات علم من أعلام الأدب العربي والدعوة في العصر الحديث مشفوعة بالنقد والتحليل والتفسير.
وثالثها: انه يقدم لنا نصاً أدبياً رائقا وراقيا سواء في ما تضمنته الذكريات بأسلوبها الممتع، أو ما قدمه لنا النص النقدي للذكريات الذي تحول إلى نص إبداعي يتضمن المعرفة النقدية والإمتاع البلاغي.
رابعها: أنه يقدم لنا رؤية تقويمية لكتابة السيرة الذاتية، إذ ينظر إلى مواطن النجاح لدى الطنطاوي فيشيد بها، وينظر إلى مواضع القصور فيجليها ويسددها.
كما يقدم لنا وفرة اصطلاحية فيقف عند المصطلح الذي يروم تناوله في الذكريات بعد أن يقدم بين يديه تأصيلا منهجيا ينم عن سعة اطلاع ودقة استيعاب، ومن ذلك مصطلح السيرة الذاتية والفرق بينها وبين فن الاعتراف..، والسخرية والصورة.. إلى غير ذلك من المصطلحات.
وإذا ما نظرنا لهذا الجهد في سياقه الأكاديمي حيث إنه رسالة ماجستير تقدم بها الباحث لنيل درجة الماجستير في اختصاص الأدب والنقد نجد أن الباحث يمنحنا الثقة بأنه ما يزال هناك رسائل ماجستير تقدم الجديد وتشكل إضافة حقيقية للمعرفة، وتتمتع بالأصالة، وأن هناك من يتعشق فتح نوافذ معرفية جديدة، وتجشم الصعاب للوصول إلى المأمول.
إننا بهذه المقالة، وإن كنا نطمح إلى إنصاف الجهد العلمي الذي قام به الزميل أحمد علي آل مريع فإننا نخشى أن نكون قد هضمناه حقه، لأن مساحة المقالة لا تتسع لتقديم هذا العمل الضخم قيمة ومادة، ونرجو لصاحبه دوام الإبداع وتجدد العطاء.
قسم اللغة العربية - جامعة الملك خالد
الدمام