Culture Magazine Thursday  02/04/2009 G Issue 277
الثالثة
الخميس 6 ,ربيع الثاني 1430   العدد  277
إمضاء
المعهداري

 

غاب عن المشهد الإداري (الرسمي) منذ ثلث قرن، وما زال حاضراً؛ يقدره (مجايلٌ) يدرك تحديات التأسيس، و(تالٍ) يوقن بقيمة التأسي.

لم يكن عابراً فما مرّ بل استقر، وبات مدرسةً لمن جاءَ بعده، وإن لم ينطقوا اسمه أو يعلقوا رسمه، وأصبح (فكراً وممارسة) علامة جودةٍ إدارية وثقافية لم نستطع مجاراتها بله تجاوزها.

فهد بن سعود الدغيثر مَعلم ومُعلِّم؛ فقد عاصر حركة البناء الإداري في نهاية الخمسينيات وأول الستينيات الميلادية، وشهد مثلما أشرف وتابع (شركة فورد) وهي تضع الأساسات المتينة لهيكلة الجهاز الإداري المركزي (التدريبي والبحثي والاستشاري) لينطلق معهد الإدارة العامة - قبل خمسين عاماً - (1960م)؛ فتجيء سنوات (الدغيثر) التي لم تتجاوز بضعة عشر عاماً أثيرة مؤثرة؛ شهدت اكتمال البناء، وتكوين الكفاءات، وتعميم التجربة، والعناية (بالإنسان) تعليماً وتدريباً وتطويراً، ووضع مسارٍ تهيأ بعده الانطلاق إلى الآفاق.

(أبوزياد) إداري مهيب وضع على مكتبه عبارة (فكِّرْ)، وفيها - لمن تأمل - الحل لإشكالات التعثر والمتعثر، ورغم جديته فقد عرف بإنسانيته؛ فوقف مع الكثيرين حتى أكملوا تعليمهم، وفتح المجال أمام المتميزين؛ فطارت الكفاءات بالتجربة الفريدة تنقلها إلى كراسي الوزارات والسفارات والجامعات والشركات، ولم ينكفئ المعهد على داخله؛ فامتد بناسه خارجه، ومارس أهم أدواره في التخريج مثل التتويج.

الدغيثر اهتم بالجانب الثقافي؛ فأسس مكتبة ظلت هي المكتبة التخصصية الأبرز، وأدخل (السينما) لموظفي المعهد وعوائلهم، ومن المفارقات أننا نتجادل اليوم حول جدواها، وأوجد برنامجاً عالياً للقانون أسموه الأنظمة تحاشياً لحساسيات لم نزل نعاني منها، واستقطب أبرز الأسماء العربية والأجنبية والمحلية للتدريس في برامجه، وصار المعهد في عهده منارة تنوير، ولم يأبه بما رافق ذلك من اتهامات، ويذكر أنه استقبل محاضراً مناوئاً، وسم المعهد بأنه معقل من معاقل الماسونية، ورعى الله ذلك الزمن؛ فلا ضير، إذ لم نتجاوز الرأي إلى المنع، والمنع إلى القمع، والقمع إلى التصنيف والتزييف.

كتبت عنه الثقافية قبل خمسة أعوام: (2004) وقالت ضمن أشياء:

(اسم يعرفَه (الكبار) بمعاني الكبَر جميعها فمن يؤرخُ (للإدارة)، ومن يعنيه (التنظيم)، ومن يرصد خطوات (الإصلاح الإداري)، ومن يبحث في (التدريب) و(الاستشارات) و(التطوير)، سيتوقف طويلاً عند اسم (الأستاذ) الذي (ترجّل) دون أن يعنيه (اسم).. أو يبحث عن (موقع).. أو (رسم)..!

لهم أن يحتفلوا بتجربة (أياكوكا) مع (كرايسلر) ولنا أن نحتفل بما بناه (الأستاذ) في معهد الإدارة..!

ولهم أن يتابعوا (بيتر دراكر) في تنظيراته.. ولنا أن نتابع الأستاذ في إنجازاته.. رقماً فاعلاً في الإدارة السعودية المنهجية الحديثة..!

حوّل (الأستاذ) المعهد إلى مصنعٍ (تكوين) و(تصدير) كفاءات.. فخرج من أساتذة المعهد وإدارييه: الوزير.. والوكيل.. والمدير العام.. ورئيس الشركة.. وصاحب العمل الخاص.. فقد رأى أنّ (دور المعهد) يتخطى مُحيط مداره.. لنقل تجربته المتميزة خارج أسواره..!

في (الصباح) يطالع الصحف (العالمية) عبر الإنترنت.. ثم يفرغ لأعماله.. وفي (المساء) يختلي بكتاب في مكتبته الخاصة التي أفرد لها مكاناً منفصلاً.. فتراه (واعياً) حين يُحدِّث.. (هادئاً) عندما يحاور.. ممتلئاً ثقةً ومنطقاً..!)

فهد الدغيثر القارئ والمثقف والإداري صامت آن أن نستنطقه؛ وحين يقول فإن تاريخاًَ إدارياً ثقافياً اجتماعياً سيقول.

الغياب حضور.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة