معادلة الشاعر محمد الثبيتي دائماً هي الشعر ومكة.. فلم يشأ الشاعر أن يرحل عن المنابت، بل ظل وفياً لأرض مكة المكرمة، رؤوفاً بها، ومدركاً لأدق تفاصيلها الإنسانية المعبرة، حتى وإن ظل في سني عمره الأولى متنقلاً بينها وبين الطائف المدينة الأولى لديه.
فالمدائن هي التي تلقم أهلها ينعة الحب للوطن الأول.. ذلك الذي تماهى فيه الشاعر محمد الثبيتي حتى صاغ منه أجمل القصائد.. بل لم تخل جل القصائد من ذكر للوطن الذي يسكن لواعجه.
حتى وإن قسا قلب الشعر على الوطن يظل الثبيتي وفياً له، رائقاً فيه، مغرداً في فضائه كعصفور رشيق لا يكف عن الشدو الحنون، والشقشقة الحانية فمكة هي الغصن، وشاعرنا الجميل هو عصفورها الذي لا يهوى إلى حضرته وينعته، وبهاء وجه صبوح يمر فيه، وسهل يعبر فيه، أو جبل يتسلقه أو لقمة يزدردها في أحضان وطن يسمى مكة المكرمة.
بين المدن وأهلها رباط مقدس، مفعم دائماً بأمل عريض يجاوز فيها الشاعر على وجه التحديد تخوم اليأس، حتى تصبح المدينة أثيرة لديه لأنها قد سيطرت على وجدانه، وخلقت مناخاً جذلاً يغترف منه أعذب الكلمات.
الشاعر الثبيتي ومكة المكرمة عصفور وغصن، ووجد وإنسان، وحزن وشاعر وما إلى ذلك من ثنائية تزاوج بين الحالة وأليفتها في إطار واحد يفضي إلى فهم واحد أن الإنسان مولع بما تهفو إليه ذائقته، وذاته.
فقد عُرف عن الشاعر محمد الثبيتي ولعه الواضح في (مكة) المكان، وشغفه الجميل في تكوين القصيدة التي تحاكي واقع العلاقة بين الإنسان وأرضه على نحو قصيدة (سيد البيد، وضّاح، السنابل) ففي قصيدة وضّاح يبحر الشاعر الثبيتي نحو مرافئ الوجد على الوطن:
(صاحبي..
ما الذي غيرك!!
ما الذي خدر الحلم
في صحو عينيك.
من لف حول حدائق روحك
هذا الشرك
عهدتك تطوي دروب المدينة
مبتهجاً وتبث بأطرافها
عنبرك)
فالشاعر هنا يوازن بين الحبيب والوطن، ليغمرهما في عبق الحب الذي يسكن الوجدان دائماً، فالهواجس في حب الوطن مشروعة ومؤسس لها في بناء قصائد (الثبيتي) حيث لا يتخلى دائماً عن نشدانه الأمل في بقاء هذه العلاقة الوجدانية النبيلة.
فالشاعر الثبيتي المولود عام 1952م توزع شوق المدن إليه بين الطائف الذي ولد فيه، ومكة التي عاش فيها، وصاغ من خلال مشاهد تكوينها أعذب القصائد.
تظهر المدينة في شعر محمد الثبيتي بوصفها حاضناً عاماً لمتفرقات البوح لديه لأنه أكثر من وصف الصحراء والمفاوز والرمل على نحو كثيف حتى إن القارئ لا يجد صعوبة في اقتفاء أثره على رمل المكان في أنحاء كثيرة من صحرائنا المترامية.
فقصائد (التضاريس، تغريبة القوافل، بوابة الريح، موقف الرمال، الأسئلة، البشير) هي مشهد عام لولع الشاعر بهواجس المكان الذي عني فيه كثيراً، وصاغ منه مفردة الخطاب الشعري الحاذق، فهو لا يكف عن البوح اللاعج:
(أجيء إليك
أضيء النهار
أسائل عنك المواني..
البحار..
أفتش عنك
قلوب المحار)
فهو الشاعر الذي يسكنه المكان، فلا يخلو أي مقطع شعري له من ذكر المدينة المثال.. تلك التي تسكن هواجسه، وتغمره بفيض جميل من حب لا يغيب وشعور لا يرد نحو تلك المدن التي تسكن الوجدان وتخبئ الكثير من الصور المتماوجة.