للشيخ صالح اللحيدان قرّاء كثيرون يثقون بما يكتبه ثقة منهم بأنه يركن إلى التراث الموثق وأنه لا ينطلق من معرفته الخاصة. ولما كان الإنسان معرضاً للنسيان والسهو والوهم كان عليه أن يراجع ما يكتب، وهي مسألة نبّه إليها الأستاذ الفاضل فيصل المنصور في تعقيبه على الشيخ. وسأذكر الآن بعض ما أتوقف فيه من قول الشيخ المنشور في العدد 276 من المجلة الثقافية الصادرة في الخميس الموافق 29 ربيع الأول 1430هـ.
قوله: أولاً: أن نعم وبئس فعلان خلافًا لمن قال غير ذلك، وكونهما فعلين إنما جاء ذلك بسبب دخول: تاء التأنيث، ولو لم يجز ذلك لما صارتا فعلين، وهذا يبيّنه المثال فيقال: (نعمت الأخلاق الفاضلة). ويقال: (بئست العادة الكبر).
أقول: إن تاء التأنيث علامة يستدل بها على فعلية الفعل وليست علة أو سبباً لفعليته، وإنما السبب في فعليته دلالته على حدث مقترن بزمن، والتاء علامة خاصة بالأفعال، ومن أجل ذلك مثل ابن عقيل، بذكاء، لاتصالها بالأفعال بالفعلين (نعمت وبئست) تاركًا كل الأفعال، ولم يشر ابن عقيل لعلة اختياره الفعلين؛ ولكن العلة ظاهرة؛ فهو يريد أن يقطع على الخصم حجته؛ فلا يزعم أن التاء قد تتصل باسم ثم يمثل بالفعلين؛ لأن الكوفيين يذهبون إلى اسميتهما.
وقال الشيخ:
ثانياً: من زعم أنهما ليسا فعلين فحسب فهمي أن لا وجه لهذا إلا القول إنهما فعلان جامدان، وهذا لا يمنع ذاك بوجه.
أقول: هذا وهم من الشيخ؛ فالكوفيون ذهبوا إلى اسميتهما مستدلين بدخول حرف الجر عليهما، وذهب الفراء وأكثر الكوفيين إلى أنهما اسمان، واستدلوا بدخول حرف الجر في نحو قوله: (ما هي بنعم الولد)، و(نعم السير على بئس العير)، وثم أفعال جامدة غيرهما لم يقل الكوفيون باسميتها.
قال الشيخ:
قال أحدهم: (نعم الكاتبة (....) فهي من الطراز الأول..) وهذه سقطة كبيرة، ولا سيما أنها من (ناقد) يُحتفى به، والأصل: (نعمت).... وورد في شعر أحدهم:
(وبئس الناثرات على وهادِ
.... .... .... .... ..... )
ولا يقال ضرورة شعرية؛ لأنه لا مكان لهذا هنا (وصاحبكم - بحمد الله - شاعر مقل)، وماذا عليه لو قال: (وبئست ناثرات......)؟
أقول:
إنّ ما أنكره الشيخ غير منكر بل صحيح حسب استعمال العرب والشعراء، وحسب ما قرره سيبويه وغيره. قال الأخطل:
نِعمَ الخُؤولَةُ مِن كَلبٍ خُؤولَتُهُ
وَنِعمَ ما وَلَدَ الأَقوامُ إِذ وَلَدوا
وقال عبدالله بن همام السلولي:
نعم حاجُةٌ كلفتها القيظَ كلَّه
أُراوحها البَردَينِ حتى شتيتُها
وأما سيبويه فقال:
واعلم أن نعم تؤنث وتذكر وذلك قولك نعمت المرأة وإن شئت قلت نعم المرأة كما قالوا ذهب المرأة والحذف في نعمت أكثر (الكتاب، 2-178)
قال الشيخ:
لتستقيم المعاني ويكون أجود لمفردات لغة البيت فإنه كلما قلّ اللفظ قوي المعنى وبز غيره.
وأقول:
إن الشيخ وهم في استعماله الفعل (بزّ) بالزاي إن لم يكن خطأ طابع، والصواب (بذّ) بالذال. جاء في معجم العين: (تقول العربُ بَذَّ يَبُذُّ بَذًّا إذا خَرَجَ شيءٌ على الآخر في حُسْن أو عَمَل كائناً ما كانَ). وأما البَزُّ فقال عنه: (والبَزُّ: السَّلْبُ، يقال: غَزَوْته فبززته. ويقال: من عَزَّ بَزَّ؛ أي من غَلَبَ سَلَبَ).
قال الشيخ:
ثالثاً: أن يكون فاعل نعم وبئس ضميراً مستتراً يتعذّر ظهوره.
أقول:
ليس في تصنيف النحويين ضمير يتعذر ظهوره، بل الضمير إما بارزاً وإما مستتراً، والمستتر إما واجب الاستتار وإما جائز الاستتار، وليس المقصود بجائز الاستتار أنه يمكن إبرازه بل المقصود أن موضعه يمكن أن يأتي الاسم الظاهر، كما في (محمد جاء) فالضمير في الفعل جائز الاستتار؛ لأنه يمكن القول: محمد جاء والده.
وفي مقال الشيخ أمور واستطرادات وتلميحات غير واضحة، وهي مكان توقف، ولكني آثرت الاكتفاء بما لا جدال فيه.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7987» ثم أرسلها إلى الكود 82244
الرياض