الثقافية - منى العصيمي
المفكر والكاتب والطبيب خالص جلبي, يخيل إلي ونحن نكاد نستجمع أنفاس الفهم المتسارعة لحديثة العميق والمركز في آن أننا في موقع مصب ينبوع هادر بسلسبيل زلال من العلم والمعرفة، بل إن الأفكار تزدحم وتتكاثر حوله فما يدري بأيها يبادر وإن حرص على إعادة توجيهها لتصب في علاقته مع القراءة والكتاب بوصفه مفكراً إسلامياً وقناصاً محترفاً للفكر وللعلم هذه الموسوعة المتحركة على الأرض أذهلنا وما زال نحن الحضور في مكتبة الملك عبد العزيز فرع المربع وأنا التي قرأت كتابه الطب محراب الإيمان في سني عمري المبكرة، حيث كنت في الصف الثاني المتوسط قرأته آنذاك مشدوهة متحيرة كيف لا تصاغ علومنا الدراسية بمثل هذا القالب الماتع لقد كان هذا الكتاب مفتاحاً نقدياًَ لمناهج العلوم في مدارسنا حتى حانت لحظة لقائنا به في المكتبة عبر الشاشة ضمن مشروع المكتبة لتجديد الصلة بالكتاب سألت محدثتي لماذا لا يوجد له كتب سمعية أو إنتاج صوتي أو يقيم دورات فقالت ربما لعمق حديثه الذي قد يستغلق على الفهم، قلت لها وكيف برأيك قد فهمت كتابه الطب محراب الإيمان , أكاد أجزم بأن هذا المفكر ثروة علمية فكرية لم تستثمر بعد ومن خلال حديثة فلسف لنا القراءة حدثنا عن مصطلح النضج المعرفي والوحدة المعرفية وعن مراحل القراءة المنتهية بمرحلة اللذة التي تجعل ساعات القراءة نسبية لقد انطلق المفكر برصد إضاءات غاية بالأهمية في مسيرة القراءة أسماها بقوانين البناء المعرفي منطلقاً من نظريته التي تقول إن المعرفة المقروءة أو أي نوع من المعارف تمر بمرحلة الهضم والتفكيك داخل العقل الإنساني إلى وحدات صغيره شبيهه بوحدات الغذاء ليعيد العقل بعد ذلك تشكيلها ضمن نسيج البناء المعرفي المتشكل للفكر الإنساني وحصر لنا مبدئياً خمس وثلاثين قانوناً موضحاً أنها نتاج خبرة وتفكير وأنها بطور التوالد وسيسعى لضمها داخل كتاب, وكان في حديثه متسع لمزيد استطرادات أتى بها على عجالة جعلتني أخرج بشيء من (ياليت ولو) التحسرية لأنني لم أستطع جذب الخيوط كلها نحوي، فالإصغاء والفهم صنوان لا يباعد بينهما إلا كثرة محتوى الطرح الجيد وتمنيت من مكتبة الملك عبد العزيز أن تكون قد وثقت هذا اللقاء بتسجيله فيديو ليتسنى لي اقتناؤه بأي ثمن فهو يستحق بتجربته العملاقة في القراءة وفي بنائه لوحدته المعرفية المتفردة ونضجه المعرفي الاستثنائي.